الشرع، فإن من ذلك يتبين: أن تحريم التصرف في مال الغير، لا يلزم أن يكون في كل مورد مفسدة تخص به، أو إيجاب العمل بالطرق والأمارات، لا يلزم أن يكون في جميع الموارد مصلحة الإيجاب التي تخص بها، بل تكفي المهملة في الناحيتين.
ولذلك ترى: أن الحكومة تمنع التجول في الليل مطلقا، نظرا إلى الغرض الخاص، وهو منع تجول جمع معين، وليس ذلك إلا لأن المقصود لا يحصل إلا بهذه الوتيرة، وغير ذلك من القوانين العامة الكلية حفاظا على أمور جزئية مقصودة.
وعندئذ لا منع من إيجاب العمل بالطرق والأمارات والأصول، المنتهية إلى تحريم المباح وإيجابه، لما في الإيجاب الكلي وجعل الحجية المطلقة، من مصلحة خاصة لازمة المراعاة بالقياس إلى النظام العالمي، وغير ذلك.
فبالجملة: كما أن في الأحكام النفسية ليست المصلحة والمفسدة ملحوظة بالقياس إلى كل مورد إلا أحيانا، كذلك في الأحكام الطريقية.
وتوهم: أن الأحكام الطريقية، ليست إلا اعتبار الحجية وجعلها وإمضاءها، ولا يعتبر هناك كون الأحكام تابعة للمصالح، في غير محله، لأن الممنوع هو الجزاف في حقه تعالى، ويخرج من الجزافية ذلك. بل ربما يقال بكفاية المصلحة في الجعل، كما في موارد الأوامر المتعذرية والامتحانية.
ولعمري، إنه قلما يوجد في الاسلام حكم، يكون ناشئا في كل مورد عن مصلحة في ذلك المورد، بل الأحكام الإسلامية، تابعة للمصالح والمفاسد الغالبية، أو المهملة الأحيانية مثلا، أو الأنظار السياسية، فتكون المصالح اعتبارية نظامية واجتماعية حكومية، وإلا فربما لا تكون صلاة زيد ذات مصلحة في حقه، إن لم نقل برجوعها إليه بصورة مؤذية، ف " رب تال للقرآن والقرآن يلعنه " (1) وهذا لا ينافي