من الأطراف والمخالفة الاحتمالية، لأجل أن القياس المتشكل من الشكل الأول، لا يقتضي إلا حرمة المخالفة القطعية، فإنه إذا قلنا: ب " أن هذا خمر أو هذا، وكل خمر حرام، فهذا حرام أو هذا " فلا يدرك العقل إلا ممنوعية ارتكاب المجموع.
كما أن الضرورة قاضية بأنه لو وصل من الشرع ذلك، ينتقل منه إلى جواز ارتكاب واحد من الإناءين، فلا ينبغي الخلط بين البراءة الشرعية، وبين العقلية والعقلائية، فإن الشرعية لا تجري حتى في الواحد منهما في مفروض البحث، كما عرفت، وأما العقلية والعقلائية فلا تجري بالنسبة إلى المجموع، وأما بالنسبة إلى الواحد لا بعينه، فلا يتم الوجدان، ولا البرهان.
وبالجملة: الوجدان يمنع إذا كان بناؤه على ارتكاب الأطراف، وارتكب المجموع وإن لم يكن عن بناء سابق، وأما إذا كان بانيا على إعدام الطرف الآخر، فارتكب أحدهما، وأعدم الآخر، فلا وجدان، ولا أقل من الشك، فلا تتم صحة المؤاخذة، لأنه لا بد من ثبوت البيان حتى يصح المؤاخذة والعقاب.
أقول: لو جاز ارتكاب أحد الطرفين لجاز الطرف الآخر، وحيث لم يجز ارتكاب المجموع كما هو المفروض، فلم يجز ارتكاب واحد منهما أيضا، وذلك لا لأجل ما قيل: من أن ارتكاب الإناء الثاني كالأول، والعلم بحصول المخالفة غير ممنوع بالضرورة، لإمكان دعوى: أن العقل وإن كان لا يمنع من العلم بالمخالفة في الشبهات البدوية، بتوسيط الجفر، أو غيره، ولكنه يمنع هنا، لأنه بواسطة ارتكاب الطرف.
وبعبارة أخرى: إذا كان يرى أن البيان يتم بذلك، إما في حقه، أو في حق الارتكاب الأول، فيستحق العقوبة، لأجل تمامية البيان.
بل لأجل أن تجويز ارتكاب الإناء الأول إذا أمكن، فارتكاب الثاني أهون، ضرورة أن العلم الاجمالي بعد ارتكاب الأول ينعدم، فلو كان لا يؤثر حين وجوده،