وإن قلنا: بأنه يكون من باب التعارض بالعرض، للعلم بكذب أحدهما خارجا، فيلاحظ مرجحات باب التعارض الداخلية والخارجية، وتصير النتيجة مختلفة، فربما يمكن ترجيح دليل الطبيعة، وربما يرجح دليل المشتبه والمشكوك.
لا يقال: النسبة بين الموضوعين وإن كانت من وجه، ويلزم منه إنكار الأحكام الظاهرية بتاتا، وتصير جميع الأحكام أحكاما واقعية على عناوين ذاتية وعرضية كعنوان " الصلاة والغصب " ولكن تحريم الخمر في مورد الشك لا معنى له، لما لا يترتب عليه الأثر، وهو الانزجار، لما لا يعقل التبليغ مع كونها مشكوكة، ولا سيما مع الترخيص في الترك بالارتكاب في الشبهات التحريمية، وترك الامتثال في الوجوبية.
لأنا نقول: هذا من تبعات تحليل الخطاب القانوني إلى الخطابات الجزئية الشخصية، وإذا لوحظ القانون الكلي - وهو قانون ممنوعية الخمر - فلا يلاحظ هناك إلا طبيعة الخمر، ولا يلاحظ إلا تحريمها على الأمة، وهكذا في جانب قانون الترخيص. وعلى هذا ربما يعمل بالقانون الأول فيما أحرزت الخمر، وربما يعمل بالقانون الثاني فيما لم تحرز، وربما لا يعمل بالقانون الثاني فيما إذا كان الواقع أهم، كما في الشبهات المهتم بها، فلا يجري القانون الثاني، لانكشاف أقوائية ملاك الواقع من ملاك التسهيل.
وغير خفي: أن ملاك التسهيل ربما يبلغ إلى حد يريده المولى، كما في القصر، والإفطار في السفر فإن الله يريد بكم اليسر مع أن النظر إلى التسهيل.
والسر كل السر: أن الشريعة الإسلامية، لا بد وأن لا تعرف بأنها شريعة صعبة شديدة قتالة هدامة حتى يفر منها الناس، وتتنفر منها الطباع، ولذلك رخص في كثير من المواقف، فاغتنم.