الثانية بإشكال آخر، يأتي إن شاء الله تعالى (1).
الوجه الثاني: جعل الحجية، وتنزيل المجعول منزلة القطع، اعتباران مختلفان، ولكن لا يلزم أن يكون الاعتبار الثاني، ملحوظا في الدليل الآخر المتكفل له بالاستقلال، بل يكفي أن يكون الاعتبار الثاني لازم الاعتبار الأول.
فإذا دل الدليل على نفوذ الأمارات العقلائية عند الشرع، وعلى حجيتها - تأسيسا كما في الأمارات التعبدية والأصول المحرزة، أو إمضاء كسائر الطرق - فلازم إطلاق هذا الدليل ترتيب جميع الآثار، من غير النظر إلى كل أثر بالاستقلال، بل يكفي كون النظر إلى كونها كالقطع في الآثار، فإذا كان القطع له الكاشفية والمنجزية والطريقية، تقوم هذه الأمارات مقامه، وهكذا الأصول المشابهة لها في الاعتبار، وإن لم تكن مثلها في الواقع، وتكون مثلها في الجملة، كما لا يخفى.
وإذا كان القطع في موضوع مأخوذا على وجه الصفتية، فهي أيضا - لمكان كونها محكومة بحكمها على الإطلاق - تقوم مقامه.
فبالجملة تحصل: إمكان كون الدليل الواحد، متكفلا لتنزيلها منزلة القطع بأقسامه.
ولكن الشأن في أن هذا الدليل غير موجود في أدلة الأمارات، لأن دليلها ينحصر في إمضاء ما عليه العقلاء، وارتضاء الشرع بها. ولو كان فيما بينها ما يدل على شئ، فهو لا يدل على أنها كالقطع، حتى يترتب عليها آثاره. فالمشكلة العامة المذكورة، مندفعة بما ذكرناه بما لا مزيد عليه، فلا شبهة - بحسب مقام الثبوت - في هذه الجهة والجهات الآتية بحمد الله وله الشكر.
وتحصل: أن معضلة " الكفاية " وهي امتناع تكفل الدليل الواحد للحجية