بن سالم (1) " قال: سأل حفص الأعور أبا عبد الله عليه السلام، وأنا حاضر فقال: كان لأبي أجير وكان له عنده شئ، فهلك الأجير ولم يدع وارثا ولا قرابة، وقد ضقت بذلك فكيف أصنع؟ فقال: رأيك المساكين، فقلت: جعلت فداك أني ضقت بذلك، فكيف أصنع؟ فقال: هو كسبيل مالك، فإن جاء طالب أعطيته ".
وهذا الخبر موافق لعجز سابقه، ولخبر خطاب الأعور وأنت خبير بما ذيلنا به هذه الأخبار، أن بعضا منها دل على الصدقة، وبعضا على الأمانة في يده، وبعضا دل على التملك، وأنه كسبيل ماله يتصرف فيه كما شاء مثل سائر أمواله مع الضمان والوصية به، والجمع بينهما بالحمل على التخيير بين الأمور الثلاثة.
والأصحاب القائلون بالصدقة قيدوها بأنه يتصدق به عن المالك، ومتى ظهر المالك ورضى بذلك فلا اشكال: ومع عدم رضاه فيغرم للمتصدق له، ويكون ثواب الصدقة للمتصدق، لا بأس به، وإن كانت الأخبار مطلقة إذ الصدق بمال الغير بغير إذنه والتصرف فيه كذلك ممنوع عقلا ونقلا، وأما التصدق به على الوجه المذكور فاحسان محض، " وما على المحسنين من سبيل " لأنه قد نوى التصدق به على المالك، فإن اتفق موته قبل الصدقة أو بعدها فقد وصل إليه ثواب الصدقة، وإن اتفق حياته ورجوعه إلى ماله، فهو مخير بين قبول ثواب الصدقة، وغرامة ماله، ورجوعه عليه، فالاحسان ظاهر، وفي بقائه أمانة من خطر التلف بغير تفريط الموجب لعدم الضمان ما هو ممكن، وكذا في جواز التصرف فيه وتملكه مع الوصية من حيث احتمال عدم رجوعه وظهوره، فالتصدق على كل حال أرجح (2).