قوله: (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض) فمن فضل على غيره، فقد رفعت درجته عليه، ويدل على قراءة من نون قوله: (ورفع بعضهم درجات) لأنه في ذكر الرسل، فأما قوله (ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا) فإنه في الرتب وارتفاع الأحوال في الدنيا، واتضاعها، لأن قبله: (نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا) وأما من قرأ (الليسع) باللام فإن هذه اللام زائدة. قال أبو علي: إعلم إن لام المعرفة يدخل الأسماء على ضربين أحدهما: للتعريف والاخر زيادة زيدت كما تزاد الحروف، والتعريف على ضروب منها أن يكون إشارة إلى معهود بينك وبين المخاطب، نحو، الرجل إذا أردت به رجلا عرفتماه بعهد كان بينكما والآخر: أن يكون إشارة إلى ما في نفوس الناس من علمهم للجنس، فهذا الضرب وإن كان معرفة كالأول، فهو مخالف له من حيث كان الأول قد علمه حسا، وهذا لم يعلمه كذلك، إنما يعلمه معقولا وأما نحو: مررت بهذا الرجل، فإنما أشير به إلى الشاهد الحاضر، لا إلى غائب معلوم بعهد، ألا ترى أنك تقول ذلك فيما لا عهد بينك فيه وبين مخاطبك، ويدلك على ذلك قولك في النداء: يا أيها الرجل!
فتشير به إلى المخاطب الحاضر. فأما نحو العباس، والحارث، والحسن، فإنما دخلت الألف واللام فيها على تنزيل أنها صفات جارية على موصوفين، وهذا، يعني الخليل بقوله: جعلوه الشئ بعينه، فإذا لم ينزل هذا التنزيل لم يلحقوها الألف واللام، فقالوا: حارث وعباس، وعلى كلا المذهبين جاء ذلك في كلامهم، قال الفرزدق:
يقعدهم أعراق حذيم بعدما رجا الهتم إدراك العلى والمكارم وقال:
ثلاث مئين للملوك وفى بها ردائي. وجلت عن وجوه الأهاتم فجعله مرة اسما بمنزلة أضحاة وأضاح، ومرة صفة بمنزلة أحمر وحمر، وجمع الأعشى بين الأمرين في قوله:
أتاني وعيد الحوص من آل جعفر فيا عبد عمر ولو نهيت الأحاوصا (1)