وجهت وجهي) أي نفسي (للذي فطر السماوات والأرض حنيفا) أي مخلصا مائلا عن الشرك إلى الإخلاص (وما أنا من المشركين) وهذا اختيار أبي علي الجبائي.
ويسأل عن القول الأول: كيف قال عليه السلام هذا ربي مخبرا، وهو غير عالم بما يخبر به، والإخبار بما لا يأمن المخبر أن يكون فيه كاذبا قبيح؟ والجواب عنه في وجهين أحدهما: إنه لم يقل ذلك مخبرا، وإنما قاله فارضا ومقدرا على سبيل التأمل، كما يفرض أحدنا إذا نظر في حدوث الأجسام كونها قديمة، ليتبين ما يؤدي إليه الفرض من الفساد، ولا يكون بذلك مخبرا في الحقيقة والأخر: إنه أخبر عن ظنه، قد يجوز أن يظن المتفكر في حال فكره ونظره، ما لا أصل له، ثم يرجع عنه بالأدلة.
(سؤال آخر): كيف تعجب إبراهيم عليه السلام من رؤية هذه الأشياء تعجب من لم يكن رآها، وكيف يجوز أن يكون مع كمال عقله، لم يشاهد السماء والكواكب؟
والجواب: إنه لا يمتنع أن يكون عليه السلام ما رأى السماء إلا في ذلك الوقت، لأنه قد روي أن أمه كانت ولدته في مغارة، خوفا من أن يقتله نمرود، ومن يكون في المغارة، لا يرى السماء، فلما قارب البلوغ، وبلغ حد التكليف، خرج من المغارة، ورأى السماء. وقد يجوز أيضا أن يكون قد رأى السماء قبل ذلك، إلا أنه لم يفكر في أعلامها، لأن الفكر لم يكن واجبا عليه، وحين كمل عقله فكر في ذلك. وثالثها: إن إبراهيم عليه السلام لم يقل (هذا ربي) على طريق الشك، بل كان عالما موقنا أن ربه سبحانه لا يجوز أن يكون بصفة الكواكب، وإنما قال ذلك على سبيل الانكار على قومه، والتنبيه لهم على أن من يكون إلها معبودا، لا يكون بهذه الصفة الدالة على الحدوث، ويكون قوله (هذا ربي) محمولا على أحد الوجهين: إما على أنه كذلك عندكم وفي مذاهبكم. كما يقول أحدنا للمشبه هذا ربه، جسم يتحرك ويسكن. وإما على أن يكون قال ذلك مستفهما، وأسقط حرف الاستفهام للاستغناء عنه، وقد كثر مجئ ذلك في كلام العرب، قال أوس بن حجر:
لعمرك لا أدري وإن كنت داريا شعيب بن سهم أم شعيب بن منقر وقال الأخطل: