المعنى: لما احتج سبحانه بإنزال التوراة على موسى عليه السلام، بين ان سبيل القرآن سبيلها، فقال: (وهذا كتاب) يعني القرآن (أنزلناه) من السماء إلى الأرض، لأن جبرائيل عليه السلام أتى به من السماء (مبارك). وإنما سماه مباركا، لأنه ممدوح مستسعد به، فكل من تمسك به نال الفوز، عن أبي مسلم. وقيل: إن البركة ثبوت الخير على النماء والزيادة، ومنه (تبارك الله) أي: ثبت له ما يستحق به التعظيم، لم يزل ولا يزال، فالقرآن مبارك، لأن قراءته خير، والعمل به خير، وفيه علم الأولين والآخرين، وفيه مغفرة للذنوب، وفيه الحلال والحرام. وقيل: البركة:
الزيادة. فالقرآن مبارك لما فيه من زيادة البيان على ما في الكتب المتقدمة. لأنه ناسخ لا يرد عليه نسخ لبقائه إلى آخر التكليف.
(مصدق الذي بين يديه) من الكتب (1)، كالتوراة والإنجيل، وغيرهما، عن الحسن. وتصديقه للكتب على وجهين أحدهما: إنه يشهد بأنها حق والثاني: إنه ورد بالصفة التي نطقت بها الكتب المتقدمة. (ولتنذر أم القرى ومن حولها) يعني بأم القرى: مكة، ومن حولها: أهل الأرض كلهم، عن ابن عباس. وهو من باب حذف المضاف، يريد لتنذر أهل أم القرى، وإنما سميت مكة أم القرى لأن الأرض دحيت من تحتها، فكأن الأرض نشأت منها. وقيل: لأن أول بيت وضع في الدنيا وضع بمكة، فكأن القرى تنشأت منها، عن السدي. وقيل لأن على جميع الناس أن يستقبلوها، ويعظموها، لأنها قبلتهم، كما يجب تعظيم الأم، عن الزجاج، والجبائي (والذين يؤمنون بالآخرة يؤمنون به) أي: بالقرآن، ويحتمل أن يكون كناية عن محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لدلالة الكلام عليه (وهم على صلاتهم) أي: على أوقات صلواتهم (يحافظون) أي: يراعونها ليؤدوها فيها، ويقوموا بإتمام ركوعها، وسجودها، وجميع أركانها.
وفي هذه دلالة على أن المؤمن، لا يجوز أن يكون مؤمنا ببعض ما أوجبه الله؟
دون بعض، وفيها دلالة على عظم قدر الصلاة، ومنزلتها، لأنه سبحانه خصها بالذكر من بين الفرائض، ونبه على أن من كان مصدقا بالقيامة وبالنبي صلى الله عليه وآله وسلم، لا يخل بها، ولا يتركها.