سبحانه لا يشاء منهم أن يؤمنوا مختارين، أو لا يشاء أن يفعل ما يؤمنون عنده مختارين، وإنما نفى المشيئة لما يلجئهم إلى الإيمان، ليتبين أن الكفار لم يغلبوه بكفرهم، فإنه لو أراد أن يحول بينهم وبين الكفر لفعل، لكنه يريد أن يكون إيمانهم على الوجه الذي يستحق به الثواب، ولا ينافي التكليف.
(فلا تكونن من الجاهلين) قيل: معناه فلا تجزع في مواطن الصبر فيقارب حالك حال الجاهلين بأن تسلك سبيلهم، عن الجبائي. إن هذا نفي للجهل عنه، أي: لا تكن جاهلا بعد أن أتاك العلم بأحوالهم، وأنهم لا يؤمنون. والمراد: فلا تجزع، ولا تتحسر لكفرهم وإعراضهم عن الإيمان، وغلظ الخطاب تبعيدا وزجرا عن هذه الحال.
ثم بين سبحانه الوجه الذي لأجله لا يجتمع هؤلاء الكفار على الايمان فقال:
(إنما يستجيب الذين يسمعون) ومعناه: إنما يستجيب إلى الإيمان بالله وما أنزل إليك من يسمع كلامك، ويصغي إليك، وإلى ما تقرأه عليه من القرآن، ويتفكر في آياتك، فإن من لم يتفكر ولم يستدل بالآيات، بمنزلة من لم يسمع كما قيل:
لقد أسمعت لو ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي وقال الآخر (أصم عما ساءه سميع) (والموتى يبعثهم الله) يريد: إن الذين لا يصغون إليك من هؤلاء الكفار، ولا يتدبرون فيما تقرأه عليهم، وتبينه لهم من الآيات والحجج، بمنزلة الموتى، فكما أيست أن تسمع الموتى كلامك إلى أن يبعثهم الله، فكذلك فآيس من هؤلاء أن يستجيبوا لك، وتقديره: إنما يستجيب المؤمن السامع للحق، فأما الكافر فهو بمنزلة الميت، فلا يجيب إلى أن يبعثه الله يوم القيامة، فيلجئه إلى الإيمان، وقيل: معناه إنما يستجيب من كان قلبه حيا، فأما من كان قلبه ميتا فلا. ثم وصف الموتى بأنه يبعثهم، ويحكم فيهم (ثم إليه) أي: إلى حكمه (يرجعون) وقيل: معناه يبعثهم الله من القبور، ثم يرجعون إلى موقف الحساب.
ثم عاد سبحانه إلى حكاية أقوال الكفار، فقال عاطفا على ما تقدم (وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه) هذا إخبار عن رؤساء قريش لما عجزوا من معارضته فيما أتى به من القرآن، اقترحوا عليه مثل آيات الأولين، كعصا موسى، وناقة ثمود، فقال سبحانه في موضع آخر (أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب) وقال ههنا: (قل) يا محمد