جرت الرياح على محل ديارهم فكأنهم كانوا على ميعاد (ولكن ليقضي الله أمرا كان مفعولا) معناه: ولكن قدر الله تعالى التقاءكم، وجمع بينكم وبينهم على غير ميعاد منكم، ليقضي الله أمرا كان كائنا لا محالة، وهو إعزاز الدين وأهله، وإذلال الشرك وأهله ومعنى (ليقضي): ليظهر قضاءه، إذ الله تعالى قد قضى ما هو كائن. ومعنى قوله (مفعولا): أي واجبا كونه لا محالة، يقال للأمر الكائن لا محالة: هذا أمر مفروغ منه. وقيل معناه: ليتم أمرا كان في علمه مفعولا لا محالة، من إظهار الاسلام، وإعلاء كلمته على عبدة الأصنام.
(ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة) أي: فعل ذلك ليموت من مات منهم بعد قيام الحجة عليه بما رأى من المعجزات الباهرة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي حروبه وغيرها، ويعيش من عاش منهم، بعد قيام الحجة عليه. وقيل: إن البينة هي وعد الله من النصر للمؤمنين على الكافرين، صار ذلك حجة على الناس في صدق النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فيما آتاهم به من عند الله. وقيل معناه: ليهلك من ضل بعد قيام الحجة عليه، فتكون حياة الكافر وبقاؤه هلاكا له، ويحيا من اهتدى بعد قيام الحجة عليه، فيكون بقاء من بقي على الإيمان حياة له. وقوله (عن بينة) يعني: بعد بيان.
(وإن الله لسميع) لأقوالهم (عليم) بما في ضمائرهم، فهو يجازيهم بحسب ما يكون منهم (إذ يريكهم الله) العامل في إذ ما تقدم وتقديره أتاكم النصر إذ كنتم بشفير الوادي إذ يريكهم الله. وقيل: العامل فيه محذوف، وتقديره واذكر يا محمد إذ يريكهم الله: أي يريك الله يا محمد هؤلاء المشركين الذين قاتلوكم يوم بدر (في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر) معناه: يريكهم الله في نومك قليلا لتخبر المؤمنين بذلك، فيجترئ المؤمنون على قتالهم، وهذا قول أكثر المفسرين، وهذا جائز لأن الرويا في النوم هي تصور يتوهم معه الروية في اليقظة، ولا يكون إدراكا، ولا علما، بل كثير مما يراه الانسان في نومه يكون تعبيره بالعكس مما رآه، كما يكون تعبير البكاء ضحكا.
قال الرماني: ويجوز أن يري الله الشئ في المنام على خلاف ما هو به، لأن الرؤيا في المنام تخيل للمعنى من غير قطع، وان جامعه قطع من الانسان على