جئت به حق من عند الله، فمرنا بما شئت، وخذ من أموالنا ما شئت، واترك منها ما شئت، والله لو أمرتنا أن نخوض هذا البحر لخضناه معك، ولعل الله عز وجل، أن يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله. ففرح بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال: سيروا على بركة الله، فإن الله عز وجل قد وعدني إحدى الطائفتين، ولن يخلف الله وعده، والله لكأني أنظر إلى مصرع أبي جهل بن هشام، وعتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وفلان، وفلان، وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالرحيل، وخرج إلى بدر، وهو بئر، وفي حديث أبي حمزة الثمالي: بدر رجل من جهينة، والماء ماؤه، فإنما سمي الماء باسمه.
وأقبلت قريش، وبعثوا عبيدها ليستقوا من الماء، فأخذهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وقالوا لهم: من أنتم؟ قالوا: نحن عبيد قريش. قالوا: فأين العير؟
قالوا: لا علم لنا بالعير. فأقبلوا يضربونهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي، فانفتل من صلاته وقال: إن صدقوكم ضربتموهم، وإن كذبوكم تركتموهم! فأتوه بهم، فقال لهم: من أنتم؟ قالوا: يا محمد! نحن عبيد قريش. قال: كم القوم؟ قالوا:
لا علم لنا بعددهم. قال: كم ينحرون في كل يوم من جزور؟ قالوا: تسعة إلى عشرة. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: القوم تسعمائة إلى ألف رجل وأمر صلى الله عليه وآله وسلم بهم فحبسوا.
وبلغ ذلك قريشا، ففزعوا وندموا على مسيرهم، ولقي عتبة بن ربيعة أبا البختري بن هشام، فقال: أما ترى هذا البغي، والله ما أبصر موضع قدمي، خرجنا لنمنع عيرنا، وقد أفلتت، فجئنا بغيا وعدوانا، والله ما أفلح قوم بغوا قط، ولوددت أن ما في العير من أموال بني عبد مناف، ذهبت ولم نسر هذا المسير! فقال له أبو البختري: إنك سيد من سادات قريش، فسر في الناس، وتحمل العير التي أصابها محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه بنخلة ودم ابن الحضرمي، فإنه حليفك. فقال له: علي ذلك وما على أحد منا خلاف إلا ابن الحنظلية - يعني أبا جهل - فصر إليه وأعلمه أني حملت العير ودم ابن الحضرمي، وهو حليفي، وعلي عقله.
قال فقصدت خباءه، وأبلغته ذلك فقال: إن عتبة يتعصب لمحمد، فإنه من بني عبد مناف، وابنه معه، يريد أن يخذل بين الناس، ولا واللات والعزى، حتى نقحم عليهم يثرب، أو نأخذهم أسارى، فندخلهم مكة، وتتسامع العرب بذلك.