وذكر قريبا من قول الأصم، قال: وقد يجئ مثله في التنزيل وغيره.
قال سبحانه (والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم) والمعنى: فاجلدوا كل واحد منهم. وثالثها: إن الضمير يرجع إلى آدم وحواء عليهما السلام، ويكون التقدير في قوله (جعلا له شركاء) جعل أولادهما له شركاء، فحذف المضاف، وأقيم المضاف إليه مقامه، فصار جعلا وهذا مثل قوله سبحانه (اتخذتم العجل) (وإذ قتلتم نفسا) والتقدير: وإذ قتل أسلافكم نفسا، واتخذ أسلافكم العجل، فحذف المضاف، وعلى هذا الوجه تكون الكناية من أول الكلام إلى آخره، راجعة إلى آدم وحواء، ويقويه قوله سبحانه: (فتعالى الله عما يشركون) ورابعها: ما روت العامة أنه يرجع إلى آدم وحواء، وأنهما جعلا لله شريكا في التسمية، وذلك أنهما أقاما زمانا لا يولد لهما، فمر بهما إبليس، ولم يعرفاه، فشكوا إليه، فقال لهما: إن أصلحت حالكما حتى يولد لكما ولد، أتسميانه باسمي؟ قالا:
نعم، وما اسمك؟ قال: الحرث. فولد لهم، فسمياه عبد الحرث، ذكره ابن فضال.
وقيل: إن حواء حملت أول ما حملت، فأتاها إبليس في غير صورته، فقال لها: يا حواء يا حواء! ما يؤمنك أن تكون في بطنك بهيمة؟ فقالت لآدم: لقد أتاني آت، فأخبرني أن الذي في بطني بهيمة، وإني لأجد له ثقلا، فلم يزالا في هم من ذلك، ثم أتاها فقال: إن سألت الله ان يجعله خلقا سويا مثلك، ويسهل عليك خروجه، أتسميه عبد الحرث؟ ولم يزل بها، حتى غرها، فسمته عبد الحرث برضاء آدم، وكان اسم إبليس عند الملائكة الحارث.
وهذا الوجه بعيد تأباه العقول، وتنكره، فإن البراهين الساطعة التي لا يصح فيها الاحتمال، ولا يتطرق إليها المجاز والاتساع، قد دلت على عصمة الأنبياء عليهم السلام، فلا يجوز عليهم الشرك، والمعاصي، وطاعة الشيطان، فلو لم نعلم تأويل الآية، لعلمنا على الجملة أن لها وجها يطابق دلالة العقل، فكيف وقد ذكرنا الوجوه الصحيحة الواضحة في ذلك؟ على أن الرواية الواردة في ذلك قد طعن العلماء في سندها بما هو مذكور في مواضعه، ولا نحتاج إلى إثباته، فإن الآية تقتضي أنهم أشركوا الأصنام التي تخلق، ولا تخلق لقوله (أيشركون ما لا يخلق شيئا