اختلف في من يرجع الضمير الذي في جعلا إليه على وجوه أحدها: إنه يرجع إلى النسل الصالح أي: المعافى في الخلق والبدن، لا في الدين، وإنما ثنى لأن حواء كانت تلد في كل بطن ذكرا وأنثى، يعني أن هذا النسل الذين هم ذكر وأنثى، جعلا له شركاء فيما أعطاهما من النعمة، فأضافا تلك النعم إلى الذين اتخذوهم آلهة مع الله تعالى، من الأصنام والأوثان، عن الجبائي. وثانيها: إنه يرجع إلى النفس وزوجها من ولد آدم لا إلى آدم وحواء، عن الحسن، وقتادة، وهو قول الأصم قال: ويكون المعنى في قوله (خلقكم من نفس واحدة) خلق كل واحد منكم من نفس واحدة، ولكل نفس زوج هو منها أي: من جنسها، كما قال سبحانه: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها) فلما تغشى كل نفس زوجها (حملت حملا خفيفا) وهو ماء الفحل (فلما أثقلت) بمصير ذلك الماء لحما، ودما، وعظما دعا الرجل والمرأة ربهما لئن آتيتنا صالحا أي: ذكرا سويا.
(لنكونن من الشاكرين)، وكانت عادتهم أن يئدوا البنات (1)، فلما آتاهما يعني الأب والأم، صالحا، جعلا له شركاء فيما آتاهما، لأنهم كانوا يسمون عبد العزى، وعبد اللات، وعبد منات، ثم رجعت الكناية إلى جميعهم في قوله (فتعالى الله عما يشركون) فالكناية في جميع ذلك غير متعلقة بآدم وحواء، ولو كانت متعلقة بهما، لقال عما يشركان. وقال أبو مسلم: تقدير الآية هو الذي خلقكم، والخطاب لجميع الخلق من نفس واحدة، يعني: آدم، وجعل من ذلك النفس زوجها، وهي حواء، ثم انقضى حديث آدم وحواء، وخص بالذكر المشركين من أولاد آدم، الذين سألوا ما سألوا، وجعلوا له شركاء فيما آتاهم، قال: ويجوز أن يذكر العموم، ثم يخص البعض بالذكر، ومثله كثير في الكلام:
قال الله تعالى: (هو الذي يسيركم في البر والبحر) حتى إذا كنتم في الفلك (وجرين بهم بريح طيبة) فخاطب الجماعة بالتسيير، ثم خص راكب البحر بالذكر، وكذلك هذه الآية أخبرت عن جملة البشر، بأنهم مخلوقون من آدم وحواء، ثم عاد الذكر إلى الذي سأل الله تعالى ما سأل، فلما أعطاه إياه، ادعى له شركاء في عطيته، قال: وجائز أن يكون عنى بقوله (هو الذي خلقكم من نفس واحدة):
المشركين خصوصا، إذا كان كل واحد من بني آدم مخلوقا من نفس واحدة وزوجها،