المكذبين بآياته، فقال: (والذين كذبوا بآياتنا) التي هي القرآن، والمعجزات الدالة على صدق النبي عليه السلام، وكفروا بها (سنستدرجهم من حيث لا يعلمون) إلى الهلكة حتى يقعوا فيه بغتة كما قال سبحانه: (بل تأتيهم بغتة فتبهتهم فلا يستطيعون ردها) وقال: (فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون فيقولوا هل نحن منظرون). وقيل: يجوز أن يريد عذاب الآخرة، أي: نقربهم إليه درجة درجة إلى أن يقعوا فيه، وقيل: هو من المدرجة وهي الطريق ودرج: إذا مشى سريعا، أي: سنأخذهم من حيث لا يعلمون أي طريق سلكوا، فإن الطريق كلها علي، ومرجع الجميع إلي، ولا يغلبني غالب، ولا يسبقني سابق، ولا يفوتني هارب. وقيل: إنه من الدرج، أي: سنطويهم في الهلاك، ونرفعهم عن وجه الأرض. يقال: طويت فلانا، وطويت أمر فلان: إذا تركته وهجرته. وقيل: معناه كلما جددوا خطيئة، جددنا لهم نعمة، عن الضحاك، ولا يصح قول من قال: إن معناه نستدرجهم إلى الكفر والضلال، لأن الآية وردت في الكفار، وتضمنت أنه يستدرجهم في المستقبل، فإن السين تختص المستقبل، ولأنه جعل الاستدراج جزاء على كفرهم وعقوبة، فلا بد من أن يريد معنى آخر غير الكفر.
وقوله: (وأملي لهم) معناه: وأمهلهم ولا أعاجلهم بالعقوبة، فإنهم لا يفوتونني، ولا يفوتني عذابهم، (إن كيدي متين) أي: عذابي قوي منيع، لا يمنعه مانع، ولا يدفعه دافع، وسماه كيدا لنزوله بهم من حيث لا يشعرون. وقيل: أراد إن جزاء كيدهم متين، والقول هو الأول (أو لم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة) معناه:
أو لم يتفكروا هؤلاء الكفار، والمكذبون بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم وبنبوته، في أقواله وأفعاله، فيعلموا أنه صلى الله عليه وآله وسلم ليس بمجنون، إذ ليس في أقواله وأفعاله ما يدل على الجنون، وتم الكلام عند قوله: (أو لم يتفكروا) ثم ابتدأ، فقال: (ما بصاحبهم من جنة) أي: ليس به جنون، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صعد الصفا، وكان يدعو قريشا، فخذا فخذا، إلى توحيد الله، ويخوفهم عذاب الله، فقال المشركون: إن صاحبهم قد جن، بات ليلا يصوت إلى الصباح، فأنزل الله هذه الآية، عن الحسن، وقتادة (إن هو إلا نذير مبين) أي: ما هو الا معلم موضع المخافة، ليتقى، ولموضع الأمن ليجتبى، ومعنى مبين، بين أمره. وقيل: مبين لهم عن الله أمره فيهم.
ثم قال (أو لم ينظروا) معناه: أو لم يتفكروا (في ملكوت السماوات والأرض) وعجيب صنعهما، فينظروا فيها نظر المستدل المعتبر، فيعترفوا بأن لهما