وهم يخلقون) وفي خبرهم أنهما أشركا إبليس اللعين فيما ولد لهما بأن سموه عبد الحرث، وليس في ظاهر الآية لإبليس ذكر.
وحكى البلخي عن جماعة من العلماء أنهم قالوا: لو صح الخبر لم يكن في ذلك إلا إشراكا في التسمية، وليس ذلك بكفر ولا معصية، واختاره الطبري، وروى العياشي في تفسيره عنهم عليهم السلام: أنه كان شركهما شرك طاعة، ولم يكن شرك عبادة وقوله (أيشركون ما لا يخلق شيئا وهم يخلقون) توبيخ وتعنيف للمشركين، بأنهم يعبدون مع الله تعالى جمادا، لا يخلق شيئا من الأجسام، ولا ما يستحق به العبادة، وهم مع ذلك مخلوقون محدثون، ولهم خالق خلقهم، وإن خرج الكلام مخرج الاستفهام، ولفظة (ما) إنما تستعمل فيما لا يعقل، فدل ذلك على أن المراد بقوله (جعلا له شركاء) أنهم أشركوا الأصنام مع الله تعالى، لا ما ذكروه من إشراك إبليس وإنما قال: (وهم يخلقون): على لفظ العقلاء، وإن كانت الأصنام جمادا، لأنه أراد به الأصنام والعابدين لها جميعا، فغلب ما يعقل على ما لا يعقل. ويجوز أن يكون على أنهم يعظمونها تعظيم من يعقل، ويصورونها على صورة من يعقل، فكنى عنهم كما يكني عن العقلاء كقوله (والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين).
(ولا يستطيعون لهم نصرا ولا أنفسهم ينصرون) أي: ويشركون به، ويعبدون من لا يستطيع نصر عابديه، ولا نصر نفسه، بأن يدفع عن نفسه من أراد به الضر، ومن هذه صورته فهو في غاية العجز، فكيف يكون إلها معبودا (وإن تدعوهم إلى الهدى لا يتبعوكم) قيل معناه: وإن دعوتم الأصنام التي عبدوها إلى الهدى، فإنها لا تقبل الهدى، عن أبي علي الجبائي. بين بذلك ضعف أمرها، بأنها لا تهدي غيرها، ولا تهتدي بأنفسها، وإن دعيت إلى الهدى، وقيل معناه: إن دعوتم المشركين الذين أصروا على الكفر إلى دين الحق، لم يؤمنوا، وهو نظير قوله (سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون) عن الحسن (سواء عليكم أدعوتموهم أم أنتم صامتون) أي: سواء عليكم دعاؤهم، والسكوت عنهم، وإنما قال (أم أنتم صامتون) ولم يقل أم صمتم، فيكون في مقابل أدعوتموهم ليفيد الماضي والحال، فإن المقابلة كانت تدل على الماضي فحسب، وصورة اللفظ تدل على معنى الحال، ومثله قول الشاعر: