بطول الإمهال في النعم السابغة، والمنن المتظاهرة (ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات) أي: الدلالات والحجج، وإنما أضاف الرسل إليهم مع أنهم رسل الله، لأن المرسل مالك الرسالة، وقد ملك العباد الانتفاع بها، والاهتداء بما فيها من البيان (فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل) معناه: فما أهلكناهم إلا وقد كان في معلومنا أنهم لا يؤمنون أبدا، عن مجاهد، قال: ويريد بقوله (من قبل) من قبل الهلاك وهو بمنزلة قوله: (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه). وقيل: معناه إن عتوهم في كفرهم، وتمردهم فيه، يحملهم على أن لا يتركوه إلى الإيمان، فما كانوا ليؤمنوا بعد أن جاءتهم الرسل بالمعجزات، بما كذبوا به من قبل رؤيتهم تلك البينات، عن الحسن. وقيل: معناه ما كان هؤلاء الخلف ليؤمنوا بما كذب به أوائلهم من الأمم.
قال الأخفش: بما كذبوا معناه بتكذيبهم، فجعل ما مصدرية.
(كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين) قيل: إن الله سبحانه شبه الكفر بالصدأ (1)، لأنه يذهب عن القلوب بحلاوة الإيمان، ونور الاسلام، كما يذهب الصدأ بنور السيف، وصفاء المرآة. ولما صاروا عند أمر الله لهم بالإيمان إلى الكفر، جاز أن يضيف الله سبحانه الطبع إلى نفسه كما قال: (زادتهم رجسا إلى رجسهم) وإن كانت السورة لم تزدهم ذلك، عن جعفر بن حرب، والبلخي. ووجه التشبيه في الكاف، ومعناه: إن دلالته على أنهم لا يؤمنون، كالطبع علي قلوب الكافرين الذين في مثل صفتهم. وقيل: معناه كما دل الله لكم بالإخبار على أنهم لا يؤمنون، فكذلك يدل للملائكة بالطبع على أنهم لا يؤمنون.
(وما وجدنا لأكثرهم) أي: ما وجدنا لأكثر المهلكين (من عهد) أي: من وفاء بعهد، كما يقال: فلان لا عهد له، أي: لا وفاء له بالعهد، وليس بحافظ للعهد. ويجوز أن يكون المراد بهذا العهد: ما أودع الله العقول من وجوب شكر المنعم، وطاعة المالك المحسن، واجتناب القبائح. ويجوز أن يكون المراد به ما أخذ على المكلفين عنى ألسنة الأنبياء أن يعبدوه، ولا يشركوا به شيئا، وهو قول الحسن.
(وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين) اللام وإن للتأكيد، والمعنى: وإنا وجدنا