فرعون في المدائن حاشرين، يحشرون السحرة، فحشروهم، فجاء السحرة فرعون، وكانوا خمسة عشر ألفا، عن ابن إسحاق. وقيل: ثمانين ألفا عن ابن المنكدر. وقيل: سبعين ألفا، عن عكرمة. وقيل: بضعة وثلاثين ألفا، عن السدي. وقيل: كانوا اثنين وسبعين ساحرا، اثنان من القبط، وهما رئيسا القوم، وسبعون من بني إسرائيل، عن مقاتل. وقيل: كانوا سبعين عن الكلبي.
(قالوا) لفرعون، إنما لم يقل فقالوا، حتى يتصل الثاني بالأول، لأن المعنى لما جاؤوا قالوا، لم يصلح دخول الفاء على هذا الوجه (أئن لنا لأجرا) (1) أي:
عوضا على عملنا، وجزاء بالخير (إن كنا نحن الغالبين) لموسى (قال نعم) أي:
قال فرعون مجيبا لهم عما سألوه: نعم لكم الأجر (وإنكم لمن المقربين) أي:
وإنكم مع حصول الأجر لكم، لمن المقربين إلى المنازل الجليلة، والمراتب الخطيرة، التي لا يتخطى إليها العامة، ولا يحظى (2) بها إلا الخاصة.
وفي هذا دلالة على حاجة فرعون وذلته لو استدل قومه به وأحسنوا النظر فيه لنفوسهم، لأن من المعلوم أنه لم يحتج إلى السحرة إلا لعجزه وضعفه.
(قالوا) يعني: قالت السحرة لموسى (يا موسى إما أن تلقي) ما معك من العصا أولا (وإما أن نكون نحن الملقين) لما معنا من العصي والحبال أولا. (قال) لهم موسى (ألقوا) أنتم وهذا أمر تهديد وتقريع كقوله سبحانه: (اعملوا ما شئتم). وقيل: معناه ألقوا على ما يصح، ويجوز لا على ما يفسد، ويستحيل.
وقيل: معناه إن كنتم محقين فألقوا (فلما ألقوا سحروا أعين الناس) أي: فلما ألقى السحرة ما عندهم من السحر، احتالوا في تحريك العصي والحبال، بما جعلوا فيها من الزئبق، حتى تحركت بحرارة الشمس، وغير ذلك من الحيل، وأنواع التمويه، والتلبيس، وخيل إلى الناس أنها تتحرك على ما تتحرك الحية، وإنما سحروا أعين الناس، لأنهم أروهم شيئا لم يعرفوا حقيقته، وخفي ذلك عليهم، لبعده منهم، فإنهم لم يخلوا الناس يدخلون فيما بينهم.
وفي هذا دلالة على أن السحر لا حقيقة له، لأنها لو صارت حياة حقيقية، لم