وقد كان عليه السلام، يخفى دينه فيهم. ويحتمل أنهم أرادوا به قومه، فأدخلوه معهم في الخطاب. ويحتمل أن يكون المراد به أو لتدخلن في ديننا وطريقتنا، لأن العود يذكر ويراد به الابتداء كما قاله الزجاج. ويكون بمعنى الصيرورة، ومثله قول الشاعر:
تلك المكارم لا قعبان من لبن شيبا بماء فعادا بعد أبوالا (1) وحقيقة المعنى: إنا لا نمكنك من المقام في بلدنا، وأنت على غير ملتنا، فإما أن تخرج من بلدتنا، أو تدخل في ملتنا (قال أو لو كنا كارهين) أي: قال شعيب لهم: أتعيدوننا في ملتكم، وتردوننا إليها، ولو كنا كارهين للدخول فيها. والمعنى:
إنا مع كراهتنا لذلك، لما عرفناه من بطلانه، لا نرجع، فأدخل همزة الاستفهام على (ولو). وقيل: المعنى أنكم لا تقدرون على ردنا إلى دينكم على كره منا، فيكون على هذا (كارهين)، بمعنى مكرهين (قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها) أي: إن عدنا في ملتكم، بأن نحل ما تحلونه، ونحرم ما تحرمونه، وننسبه إلى الله تعالى، بعد إذ نجانا الله تعالى منها، بأن أقام الدليل والحجة على بطلانها، وأوضح الحق لنا، فقد اختلقنا على الله كذبا فيما دعوناكم إليه.
(وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا) قيل في معنى هذه المشيئة مع حصول العلم، بأنه سبحانه لا يشاء عبادة الأصنام، أقوال أحدها: إن المراد بالملة:
الشريعة، وليس المراد بها ما يرجع إلى الاعتقاد في الله سبحانه وصفاته، مما لا يجوز أن تختلف العبادة فيه، وفي شريعتهم أشياء يجوز أن يتعبد الله تعالى بها، فكأنه قال: ليس لنا أن نعود في ملتكم إلا أن يشاء الله أن يتعبدنا بها، وينقلنا إليها، وينسخ ما نحن فيه من الشريعة، عن الجبائي، والقاضي. وثانيها: إنه سبحانه علق ما لا يكون بما علم، لأنه لا يكون على وجه التبعيد، كما قال: (ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط)، وكقول الشاعر:
إذا شاب الغراب أتيت أهلي، وصار القار كاللبن الحليب (2)