سفيان بن حرب، والوليد بن المغيرة، وعتبة بن ربيعة، وأخوه شيبة، وغيرهم، جلسوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وهو يقرأ القرآن، فقالوا للنضر: ما يقول محمد؟
فقال: أساطير الأولين، مثل ما كنت أحدثكم عن القرون الماضية. فأنزل الله هذه الآية.
المعنى: ثم وصف الله سبحانه حالهم، عند استماع القرآن، فقال:
(ومنهم) أي: ومن الكفار الذين تقدم ذكرهم (من يستمع إليك) يريد: يستمعون إلى كلامك. قال مجاهد: يعني قريشا (وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا) قد ذكرنا الكلام فيه في سورة البقرة عند قوله (ختم الله على قلوبهم).
وقال القاضي أبو عاصم العامري: أصح الأقوال فيه ما روي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي بالليل، ويقرأ القرآن في الصلاة جهرا، رجاء أن يستمع إلى قراءته انسان، فيتدبر معانيه، ويؤمن به، فكان المشركون إذا سمعوه آذوه، ومنعوه عن الجهر بالقراءة، فكان الله تعالى يلقي عليهم النوم، أو يجعل في قلوبهم أكنة. ليقطعهم عن مرادهم، وذلك بعد ما بلغهم مما تقوم به الحجة، وتنقطع به المعذرة، وبعد ما علم الله سبحانه أنهم لا ينتفعون بسماعه، ولا يؤمنون به، فشبه إلقاء النوم عليهم، بجعل الغطاء على قلوبهم، وبوقر آذانهم، لأن ذلك كان يمنعهم من التدبر، كالوقر والغطاء. وهذا معنى قوله تعالى: (وإذا قرأت القران جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا)، وهو قول أبي علي الجبائي.
ويحتمل ذلك وجها آخر وهو: إنه تعالى يعاقب هؤلاء الكفار الذين علم أنهم لا يؤمنون بعقوبات يجعلها في قلوبهم، تكون موانع من أن يفهموا ما يسمعونه ويحتمل أيضا أن يكون سمى الكفر الذي في قلوبهم كنا، تشبيها ومجازا، وإعراضهم عن تفهم القرآن وقرأ، توسعا لأن مع الكفر والإعراض، لا يحصل الإيمان والفهم، كما لا يحصلان مع الكن والوقر، ونسب ذلك إلى نفسه، لأنه الذي شبه أحدهما بالآخر، كما يقول أحدنا لغيره، إذا أثنى على انسان، وذكر مناقبه: جعلته فاضلا، وبالضد، إذا ذكر مقابحه وفسقه، يقول جعلته فاسقا. وكما يقال: جعل القاضي فلانا عدلا، وكل ذلك يراد به الحكم عليه بذلك، والإبانة عن حاله، كما قال ا لشاعر: