عقابه، وطامعين في رحمته. قال الفراء: إنما ذكر قريب، ولم يؤنث، ليفصل بين القريب من القرابة، والقريب من القرب. قال الزجاج: وهذا غلط، لأن كل ما قرب في مكان، أو نسب، فهو جار على ما يصيبه من التأنيث والتذكير، والوجه في تذكيره هنا أن الرحمة، والغفران، والعفو، في معنى واحد، وكذلك كل تأنيث ليس بحقيقي. وقال الأخفش: جائز أن يكون أراد بالرحمة هنا النظر، فلذلك ذكره، ومثله قول الشاعر:
يا أيها الراكب المزجي مطيته سائل بني أسد ما هذه الصوت (1) أي: ما هذه الصيحة، وقول الآخر:
إن السماحة، والمروءة ضمنا قبرا بمرو على الطريق الواضح المعنى: ثم أمر سبحانه بعد ذكره دلائل توحيده، بدعائه على وجه الخشوع كافة عبيده، فقال (ادعوا ربكم تضرعا وخفية) أي: تخشعا وسرا.
عن الحسن قال: بين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفا، ثم قال: إن كان الرجل لقد جمع القرآن، وما يشعر به جاره، وإن كان الرجل لقد فقه الفقه الكثير، وما يشعر به الناس، وإن كان الرجل ليصلي الصلاة الكثيرة في بيته، وعنده الزور (2) فلا يشعرون به، ولقد تداركنا أقواما ما كان على الأرض من عمل يقدرون أن يعملوه في السر، فيكون علانية أبدا، ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء، وما يسمع لهم صوت إن كان إلا همسا بينهم وبين ربهم.
وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، كان في غزاة، فأشرفوا على واد، فجعل الناس يهللون ويكبرون ويرفعون أصواتهم، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (يا أيها الناس! أربعوا على أنفسكم، أما إنكم لا تدعون الأصم، ولا غائبا، إنكم تدعون سميعا قريبا، إنه معكم،. وقيل: إن التضرع: رفع الصوت. والخفية: السر، أي: ادعوه علانية وسرا، عن أبي مسلم، ورواه علي بن إبراهيم في تفسيره.
(إنه لا يحب المعتدين) في الدعاء قيل: هو أن يطلب منازل الأنبياء، فيجاوز الحد في الدعاء، عن أبي مجلز. وقيل: هو الصياح في الدعاء، عن ابن جريج.