سبحانه يظاهر إلى عباده بالنعم، ويعمهم بالفضل والكرم، فلم يصرفه ارتكابه المعصية عن المسألة والطمع في الإجابة.
(قال) أي: قال الله سبحانه لإبليس: (إنك من المنظرين) أي: من المؤخرين (قال) إبليس لما لعنه الله وطرده، ثم سأله الإنظار فأجابه الله تعالى إلى شئ منه (فبما أغويتني) أي: فبالذي أغويتني. قيل في معناه أقوال أحدها: إن معناه: بما خيبتني من رحمتك وجنتك، كما قال الشاعر:
فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره *، ومن يغولا يعدم على الغي لائما أي: من يخب وثانيها: إن المراد امتحنتني بالسجود لآدم فغويت عنده، فلذلك قال: (أغويتني) كما قال: (فزادتهم رجسا إلى رجسهم) وثالثها: إن معناه حكمت بغوايتي، كما يقال: أضللتني أي. حكمت بضلالتي، عن ابن عباس، وابن زيد ورابعها: إن معناه أهلكتني بلعنك إياي، كما قال الشاعر:
معطفة الأثناء ليس فصيلها برازئها درا، ولا ميت غوى (1) أي ولا ميت هلاكا بالقعود عن شرب اللبن، ومنه قوله (فسوف يلقون غيا) أي: هلاكا وقالوا: غوى الفصيل: إذا فقد اللبن فمات، والمصدر غوى مقصور وخامسها: أن يكون الكلام على ظاهره من الغواية، ولا يبعد أن يكون إبليس قد اعتقد أن الله تعالى يغوي الخلق بأن يضلهم، ويكون ذلك من جملة ما كان اعتقده من الشر (لأقعدن) أي: لأجلسن (لهم) أي: لأولاد آدم (صراطك المستقيم) أي على طريقك المستوي، وهو طريق الحق، لأصدنهم عنه بالإغواء حتى أصرفهم إلى طريق الباطل، كيدا لهم، وعداوة. وقول من قال: إنه لو كان ما يفعل به الإيمان، هو بعينه ما يفعل به الكفر، لكان قوله (فبما أغويتني) مساويا لقوله فبما أصلحتني، يفسد بأن صفة الآلة إذا وقع بها الكفر، صفتها إذا وقع بها الإيمان، وإن كانت الآلة واحدة، كما أن السيف واحد، ويصلح لأن يستعمل في قتل المؤمن، كما