في اخراجهما منها بالوسوسة.
(وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة) أي: عن أكل هذه الشجرة (إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين) والمعنى أنه أوهمهما أنهما إذا أكلا من هذه الشجرة، تغيرت صورتهما إلى صورة الملك، وأن الله تعالى، قد حكم بذلك، وبأن لا تبيد حياتهما إذا أكلا منها. وروي عن يحيى بن أبي كثير أنه قرأ (ملكين) بكسر اللام. قال الزجاج: قوله (هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى) يدل على الملكين وأحسبه قد قرأ به، ويحتمل أن يكون المراد بقوله: (إلا أن تكونا ملكين) أنه أوهمهما أن المنهى عن تناول الشجرة الملائكة خاصة، والخالدين دونهما، فيكون كما يقول أحدنا لغيره: ما نهيت عن كذا إلا أن تكون فلانا، وإنما يريد أن المنهي إنما هو فلان دونك، وهذا المعنى أوكد في الشبهة واللبس عليهما، ذكره المرتضى، قدس الله روحه.
(وقاسمهما) أي: وحلف لهما بالله تعالى، حتى خدعهما، عن قتادة (إني لكما لمن الناصحين) أي: المخلصين النصيحة في دعائكما إلى التناول من هذه الشجرة، ولذلك تأكدت الشبهة عندهما، إذ ظنا أن أحدا لا يقدم على اليمين بالله تعالى، إلا صادقا، فدعاهما ذلك إلى تناول الشجرة.
واستدل جماعة من المعتزلة بقوله: (إلا أن تكونا ملكين) على أن الملائكة أفضل من الأنبياء، قالوا: لأن إبليس رغبهما بالتناول من الشجرة في منزلة الملائكة، حتى تناولا، ولا يجوز أن يرغب عاقل في أن يكون علي منزلة دون منزلته، فيحمله ذلك على معصية الله وأجاب عنه المرتضى بأن قال: ما أنكرتم أن تكون الآية محمولة على الوجه الثاني الذي ذكرناه، دون أن يكون معناها أن ينقلبا إلي صفة الملائكة، وإذا كانت الآية محتملة لما ذكروه، وأيضا فمما يرفع هذه الشبهة أن يقال: ما أنكرتم أن يكونا رغبا في أن ينقلبا إلى صفة الملائكة وخلقتهم، لما رغبهما إبليس في ذلك، ولا تدل هذه الرغبة على أن الملائكة أفضل منهما، فإن الثواب إنما يستحق على الطاعات دون الصور والهيئات، ولا يمتنع أن يكونا رغبا في صور الملائكة وهيآتها، ولا يكون ذلك رغبة في الثواب، ولا الفضل، ألا ترى أنهما رغبا في أن يكونا من الخالدين، وليس الخلود مما يقتضي مزية في الثواب، ولا الفضل.