في موضع آخر، وقوله: (إلا أن تكونا) تقديره إلا كراهة أن تكونا ملكين، فحذف المضاف، فهو في موضع نصب بأنه مفعول له، وقيل: إن تقديره لأن لا تكونا ملكين، فحذف لا. والأول الصحيح. وقوله: (إني لكما لمن الناصحين) تقديره: إني لكما ناصح، ثم فسر ذلك بقوله (لمن الناصحين) ولا يكون قوله (لكما) متعلقا بالناصحين، لأن ما في الصلة، لا يجوز أن يتقدم على الموصول، ومثله قوله: (وأنا على ذلكم من الشاهدين) تقديره: وأنا على ذلكم شاهد، وبينه بقوله: (من الشاهدين).
المعنى: ثم بين سبحانه ما فعله بإبليس من الإهانة والإذلال، وما آتاه آدم من الإكرام والإجلال، بقوله: (قال اخرج منها) أي: من الجنة، أو من السماء، أو من المنزلة الرفيعة. (مذؤوما) أي: مذموما عن ابن زيد. وقيل: معيبا، عن المبرد. وقيل: مهانا لعينا، عن ابن عباس، وقتادة. (مدحورا) أي: مطرودا، عن مجاهد، والسدي. (لمن تبعك منهم) أي: من بني آدم، ومعناه: من أطاعك واقتدى بك من بني آدم، (لأملأن جهنم منكم) أي: منك، ومن ذريتك، وكفار بني آدم.
(أجمعين): وإنما جمعهم في الخطاب، لأنه لا يكون في جهنم إلا إبليس وحزبه من الشياطين، وكفار الإنس، وضلالهم الذين انقادوا له، وتركوا أمر الله لاتباعه (ويا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة) هذا أمر بالسكنى، دون السكون، وإنما لم يقل وزوجتك، لأن الإضافة إليه قد أغنت عن ذكره، وأبانت عن معناه، فكان الحذف أحسن لما فيه من الإيجاز من غير إخلال بالمعنى.
(فكلا من حيث شئتما) أباح سبحانه لهما أن يأكلا من حيث شاءا، وأين شاءا، وما شاءا (ولا تقربا هذه الشجرة) بالأكل (فتكونا من الظالمين) أي: من الباخسين نفوسهم الثواب العظيم، وقد مضى تفسير هذه الآية مشروحا في سورة البقرة (فوسوس لهما) أي: لآدم، وحواء (الشيطان) الفرق بين وسوس إليه، ووسوس له، أن معنى وسوس إليه انه ألقى إلى قلبه المعنى بصوت خفي، ومعنى وسوس له أنه أوهمه النصيحة له في ذلك (ليبدي لهما) أي: ليظهر لهما (ما ووري) أي: ستر (عنهما من سوآتهما) أي: عوراتهما، وهذا الظاهر يوجب أن يكون إبليس علم أن من اكل من هذه الشجرة بدت عورته، وأن من بدت عورته لا يترك في الجنة، فاحتال