يذكرون) معناه: لكي يتفكروا فيها، فيؤمنوا بالله، ويصيروا إلى طاعته، وينتهوا عن معاصيه.
ثم خاطبهم سبحانه مرة أخرى، فقال: (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان) أي:
لا يضلنكم عن الدين، ولا يصرفنكم عن الحق، بأن يدعوكم إلى المعاصي التي تميل إليها النفوس وإنما صح أن ينهى الانسان بصيغة النهي للشيطان، لأنه أبلغ في التحذير من حيث يقتضي أنه يطلبنا بالمكروه، ويقصدنا بالعداوة. فالنهي له يدخل فيه النهي لنا، عن ترك التحذير منه (كما أخرج أبويكم من الجنة) نسب الإخراج إليه لما كان بإغوائه، وإن كان خروجهما بأمر الله تعالى، وجرى ذلك مجرى ذمه لفرعون، بأنه يذبح أبناءهم، وإنما أمر بذلك، وتحقيق الذم فيها راجع إلى فعل، المذموم، ولكنه يذكر بهذه الصفة، لبيان منزلة فعله في عظم الفاحشة.
(ينزع عنهما) عند وسوسته ودعائه لهما (لباسهما) من ثياب الجنة. وقيل:
كان لباسهما الظفر، عن ابن عباس، أي: كان شبه الظفر، وعلى خلقته. وقيل:
كان لباسهما نورا، عن وهب بن منبه. (ليريهما سوآتهما) عوراتهما (إنه) يعني الشيطان (يراكم هو وقبيله) أي: نسله، عن الحسن، وابن زيد، يدل عليه قوله (أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني) وقيل: جنوده وأتباعه من الجن، والشياطين (من حيث لا ترونهم) قال ابن عباس: إن الله تعالى جعلهم يجرون من بني آدم، مجرى الدم، وصدور بني آدم مساكن لهم، كما قال: (الذي يوسوس في صدور الناس) فهم يرون بني آدم، وبنو آدم لا يرونهم. قال قتادة: (والله إن عدوا يراك من حيث لا تراه، لشديد المؤنة إلا من عصم الله) وإنما قال ذلك، لأنا إذا كنا لا نراهم، لم نعرف قصدهم لنا بالكيد، والإغواء، فينبغي أن نكون على حذر فيما نجده في أنفسنا من الوساوس، خيفة أن يكون ذلك من الشيطان.
وإنما لا يراهم البشر لأن أجسامهم شفافة لطيفة، تحتاج رؤيتها إلى فضل شعاع. وقال أبو الهذيل، وأبو بكر بن الإخشيد: يجوز أن يمكنهم الله تعالى، فيتكشفوا، فيراهم حينئذ من يحضرهم، وإليه ذهب علي بن عيسى، وقال: إنهم ممكنون من ذلك، وهو الذي نصره الشيخ المفيد أبو عبد الله، رحمه الله، قال الشيخ أبو جعفر، قدس الله روحه: وهو الأقوى عندي وقال الجبائي: لا يجوز أن يرى الشياطين والجن. لأن الله عز اسمه قال: (لا ترونهم) وإنما يجوز أن يروا في