قوله (ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة) الآية. وليس كل الكفار بهذه الصفة أي: لا يؤمن هؤلاء المقسمون. ووجه القراءة بالتاء أنه انصراف من الغيبة إلى الخطاب، والمراد بالمخاطبين هم الغيب المقسمون الذين أخبر عنهم أنهم لا يؤمنون. ومن قرأ: (ويذرهم) فإنه أسكن المرفوع تخفيفا.
اللغة: الجهد بالفتح: المشقة. والجهد بالضم: الطاقة. وقيل الجهد بالفتح: المبالغة فقوله (جهد أيمانهم) أي: بالغوا في اليمين واجتهدوا فيه، وهو منصوب على المصدر، لأنه مضاف إلى المصدر، والمضاف إلى المصدر مصدر، فإن الأيمان جمع اليمين. واليمين هي القسم. والتقدير: وأقسموا بالله جهد أقسامهم.
النزول: قالت قريش: يا محمد تخبرنا أن موسى كان معه عصا يضرب بها الحجر، فينفجر منه اثنتا عشرة عينا، وتخبرنا ان عيسى كان يحيي الموتى، وتخبرنا أن ثمود كانت لهم ناقة فائتنا بآية من الآيات حتى نصدقك! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
أي شئ تحبون أن آتيكم به؟ قالوا اجعل لنا الصفا ذهبا، وابعث لنا بعض موتانا حتى نسألهم عنك، أحق ما تقول أم باطل، وأرنا الملائكة يشهدون لك، أو ائتنا بالله والملائكة قبيلا! فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: فإن فعلت بعض ما تقولون أتصدقونني؟
قالوا: نعم، والله لئن فعلت لنتبعنك أجمعين. وسأل المسلمون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ينزلها عليهم حتى يؤمنوا، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو أن يجعل الصفا ذهبا، فجاءه جبرائيل عليه السلام، فقال له: إن شئت أصبح الصفا ذهبا، ولكن إن لم يصدقوا عذبتهم، وإن شئت تركتهم حتى يتوب تائبهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: بل يتوب تائبهم. فأنزل الله تعالى هذه الآية، عن الكلبي ومحمد بن كعب القرظي.
المعنى: ثم بين سبحانه حال الكفار الذين سألوه الآيات، فقال: (وأقسموا) أي: حلفوا (بالله جهد أيمانهم) أي: مجدين مجتهدين، مظهرين الوفاء به (لئن جاءتهم آية) مما سألوه (ليؤمنن بها قل) يا محمد (إنما الآيات) أي: الأعلام والمعجزات (عند الله) والله تعالى مالكها، والقادر عليها، فلو علم صلاحكم في إنزالها، لأنزلها (وما يشعركم) الخطاب متوجه إلى المشركين، عن مجاهد، وابن زيد. وقيل: هو متوجه إلى المؤمنين، عن الفراء، وغيره، لأنهم ظنوا أنهم لو أجيبوا إلى الآيات لآمنوا (أنها إذا جاءت لا يؤمنون) قد مر معناه.