ولولا رجال من رزام ومازن وآل سبيع أو أسوك علقما (1) ومن قرأ (أو وجعل) فلأن اسم الفاعل الذي قبله بمعنى المضي، فلما كان فاعل بمعنى فعل، عطف عليه فعل لموافقته في المعنى، ويدلك على أنه بمنزلة فعل، انه نزل منزلته فيما عطف عليه، وهو قوله: (والشمس والقمر حسبانا) ألا ترى أنه لما كان المعنى فعل، حمل المعطوف على ذلك، فنصب الشمس والقمر على فعل، لما كان فاعل كفعل، ويقوي ذلك قولهم: هذا معطي زيد درهما أمس، فالدرهم محمول على أعطى، لأن اسم الفاعل إذا كان لما مضى، لم يعمل عمل الفعل، فإذا كان معط بمنزلة أعطى، كذلك جعل (فالق) بمنزلة فلق، لأن اسم الفاعل لما مضى، فعطف عليه فعل، لما كان بمنزلته.
اللغة: الفلق: الشق. يقال فلقه فانفلق. والفلق: الصبح، لأن الظلام ينفلق عنه، والفلق: المطمئن من الأرض، كأنه منشق عنها. والحب: جمع حبة، وهو كل ما لا يكون له نوى كالبر، والشعير. والنوى: جمع نواة. والإصباح والصبح واحد، وهو مصدر أصبحنا إصباحا. وقد روي عن الحسن أنه قرأ (فالق الأصباح) بالفتح، يريد: صبح كل يوم، وما قرأ به غيره. والسكن: الذي يسكن إليه، والحسبان: جمع حساب، مثل شهاب وشهبان. وقيل: هو مصدر حسبت الحساب، أحسبه، حسابا، وحسبانا. وحكي عن بعض العرب: على الله حسبان فلان وحسبته أي: حسابه. والحسبان: بكسر الحاء جمع حسبانة وهي وسادة صغيرة. والحسبان والمحسبة: مصدر حسبت فلانا عاقلا، أحسبه، وأحسبه.
الاعراب: النصب في (الشمس والقمر) مفعول فعل يدل عليه قوله: (وجاعل الليل سكنا) وتقديره وجعل الشمس والقمر حسبانا. وحسبانا: المفعول الثاني منه، ولا يجوز: وجاعل الليل سكنا، لأن اسم الفاعل إذا كان واقعا لم يعمل عمل الفعل، وأضيف إلى ما بعده لا غير، تقول هذا ضارب زيد أمس، لا غير.
المعنى: ثم عاد الكلام إلى الإحتجاج على المشركين، بعجائب الصنع، ولطائف التدبير، فقال سبحانه: (إن الله فالق الحب والنوى) أي: شاق الحبة اليابسة الميتة، فيخرج منها النبات، وشاق النواة اليابسة، فيخرج منها النخل،