فالهاء كناية عن المصدر ودل يدرسه على الدرس ولا يجوز أن يكون ضمير القرآن لأن الفعل قد تعدى إليه باللام فلا يجوز أن يتعدى إليه وإلى ضميره.
المعنى: ثم بين سبحانه إكرامه لأنبيائه عليهم السلام، ثم أمر من بعد بالاقتداء بهم، فقال: (ذلك) وهو إشارة إلى ما تقدم ذكره من التفضيل، والاجتباء، والهداية، والاصطفاء (هدى الله يهدي به من يشاء من عباده) ممن لم يسمهم في هذه الآيات، والهداية هنا هي الإرشاد إلى الثواب، دون الهداية التي هي نصب الأدلة، ألا ترى إلى قوله (كذلك نجزي المحسنين)، وذلك لا يليق إلا بالثواب الذي يختص المحسنين دون الدلالة التي يشترك بها المؤمن والكافر، وقوله (لو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون) يدل أيضا على ذلك ومعناه أنهم لو أشركوا لبطلت أعمالهم التي كانوا يوقعونها على خلاف الوجه الذي يستحق به الثواب، لتوجيهها إلى غير الله تعالى، وليس في ذلك دلالة على أن الثواب الذي استحقوه على طاعتهم المتقدمة يحبط، إذ ليس في ظاهر الآية ما يقتضي ذلك، على أنا قد علمنا بالدليل أن المشرك لا يكون له ثواب أصلا، واجتمعت الأمة على ذلك (أولئك) يعني به من تقدم ذكرهم من الأنبياء (الذين آتيناهم) أي: أعطيناهم (الكتاب) أراد الكتب، ووحد لأنه عنى به الجنس (والحكم) معناه والحكم بين الناس. وقيل: الحكمة (والنبوة) أي: الرسالة (فإن يكفر بها) أي: بالكتاب، والحكم، وبالنبوة (هؤلاء) يعنى الكفار الذين جحدوا نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك الوقت (فقد وكلنا بها) أي: بمراعاة أمر النبوة وتعظيمها، والأخذ بهدى الأنبياء.
(قوما ليسوا بها بكافرين) واختلف في المعنيين بذلك، فقيل: عنى به الأنبياء الذين جرى ذكرهم آمنوا بما أتى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل وقت مبعثه، عن الحسن، واختاره الزجاج، والطبري، والجبائي. وقيل: عنى به الملائكة، عن أبي رجاء العطاردي. وقيل: عنى به من آمن من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في وقت مبعثه، وقيل:
عنى بقوله: (فإن يكفر بها) كفار قريش وبقوله (قوما ليسوا بها بكافرين) أهل المدينة، عن الضحاك، واختاره الفراء، وإنما قال: وكلنا بها، ولم يقل فقد قام بها قوم تشريفا لهم بالإضافة إلى نفسه. وقيل: معناه فقد ألزمناها قوما فقاموا بها. وفي هذا ضمان من الله تعالى أن ينصر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم، ويحفظ دينه.
(أولئك الذين هدى الله) أي: هداهم الله إلى الصبر (فبهداهم اقتده) معناه