مستقبل الكعبة قلنا الظن لا بد من استناده إلى إمارة مثيرة له بحيث يجوز الركون إليه شرعا وهذا القطع ينافيه ولو قيل إن هذا لا يتحقق مع البعد لان الحرم الصغير كلما إزداد الانسان عنه بعدا اتسعت جهة المحاذاة فإذا كان بقدر شخص واحد بحيث يخرج عنه شخص ثأن عند القرب منه أمكن محاذاتهما له مع البعد عنه بل محاذاة العشرة مثلا فليكن الصف المستطيل كذلك قلنا هذا التحقيق أمر الجهة بغير المعنى الذي ذكره إذ لتحقيق إن محاذاة القوم للجرم الصغير عن مقدارهم ليست إلى عينه وإن أوهم ذلك لأنا نفرض خطوطا خارجة من مواقفهم نحوه بحيث تخرج متوازية فإنها لا تلتقي أبدا وإن خرجت إلى غير النهاية وحينئذ فإنما على الجرم المقابل منها مقدار وسعه من القوم لا الجميع وإلا لزم خروج الخطوط عن كونها متوازية هذا خلف ومما يدل على كون ذلك غير معتبر إن العلامات المنصوبة من الشارع للقبلة يوجب امتثالها صحة الصلاة وإن لم يخطر ظن كون ذلك إلى نفس الكعبة فإن كان ذلك غير كاف لزم تأخير البيان عن وقت الحاجة أو وقت الخطاب وإن كان كافيا لم يكن ظن ذلك معتبر أو في المعتبر نعنى بالجهة السمت الذي فيه الكعبة لا نفس البنية وذلك متسع يمكن أن يوازى جهة كل مصل وقريب منه تعريف المصنف في النهاية وهو أجود مما سبق وإن كان غير تام أيضا لأنه إن أراد السمت بالمعنى اللغوي ورد عليه صلاة الصف المستطيل وصلاة أهل الإقليم الواحد بعلامة واحدة وإن أراد المعنى الاصطلاحي وهو النقطة من دائرة الأفق إذا واجهها الانسان كان مواجها للكعبة فالطريق الموصل إليها تقريبي لا يتحقق معها نفس الكعبة لأنها مأخوذة من طول البلد وعرضها ومعلوم إن مقدار الفرسخ والفرسخين لا يؤثر في اختلاف ذلك تأثيرا بينا بحيث يترتب عليه سمت لخروج يلزم من استخراج السمت بذلك الطريق على طرف فرسخ كون الصلاة على ذلك السمت في الطرف الآخر غير صحيحة لعدم كون الكعبة فيه وفى الذكرى المراد بالجهة السمت الذي يظن كون الكعبة فيه لا مطلق الجهة كما قال بعض العامة إن الجنوب قبلة لأهل الشمال وبالعكس والمشرق قبلة لأهل المغرب وبالعكس لأنا نتيقن الخروج هنا عن القبلة وهو ممتنع وهو قريب من تعريف المعتبر غير أنه اكتفى بظن كون الكعبة في السمت والذي يظهر من كلامه في الرد على المخالف إن المراد بالسمت جهة مخصوصة أضيق من الجهات الأربع بحيث يظن كون الكعبة فيها لا السمت بمعنييه ومعنى كون الكعبة في تلك الجهة اشتمال الجهة عليها وإن كانت أوسع منها بكثير بحيث لا يقطع في جزء من الجهة المذكورة بخروج الكعبة منه على التعيين فيصير حينئذ أجود التعريفات وقال المقداد جهة الكعبة التي هي القبلة للنائي هي خط مستقيم يخرج من المشرق إلى المغرب الاعتدالين ويمر بسطح الكعبة فالمصلى حينئذ يفرض من نظره خطا يخرج إلى ذلك الخط فإن وقع عليه على زاوية قائمة فذاك هو الاستقبال وإن كان على حادة ومنفرجة فهو إلى ما بين المشرق والمغرب إلخ وهذا التعريف مخصوص بجهة العراقي وتبعه على ذلك المحقق الشيخ على إلا أنه أتى بتعريف يشمل جميع البلاد فقال المراد بالجهة ما يسامت الكعبة عن جانبيها بحيث لو خرج خط مستقيم من موقف المستقبل تلقاء وجهة وقع على جهة الكعبة بالاستقامة بحيث يحدث عن جنبيه زاويتان قائمتان فلو كان الخط الخارج من موقف المصلى واقعا على خط الجهة لا بالاستقامة بحيث يكون إحدى الزاويتين حادة والأخرى منفرجة فليس مستقبلا لجهة الكعبة وفيهما من جهة التعريف فسادات كثيرة لا تخفى على من تفطن لها ومن جهة ما يترتب عليهما من الحكم الشرعي نظر من وجوه أ أن الخط الخارج عن جانبي الكعبة لم يبين قدره إلى أين ينتهى فإن كان امتداده إلى منتهى الجهتين كما هو مقتضى تعريف المقداد فظاهر فساده إذ يلزم منه كون أهل الدنيا صلاتهم إلى جهتين متقابلتين وإن أراد امتداده قدرا مخصوصا بحسب الإقليم الذي لا يتفاوت القبلة فيه فلا يتم أيضا
(١٩٠)