قبلها أي قبل الغسلة فيجب غسل ما أصابته ماء الغسلة الأولى مرتين والثانية مرة فيما يجب غسله مرتين وهكذا وهو اختيار الشهيد رحمه الله ومن تأخر عنه ويحتمل أن يكون مذهبا للمصنف أيضا لان إطلاق القول بنجاسة الماء لا ينافيه لكن ليس في عباراته تصريح به وما تقدم من الأدلة صالح له ويزيد عن الأول اختصاصا إن المحل (المغسول صح) تضعف نجاسته بعد كل غسلة وإن لم يطهر ولهذا يكفيه من العدد ما لا يكفي قبل فيكون حكم ماء الغسلة كذلك لان نجاسته مسببة عنه ولا يزيد حكمه عليه لان الفرع لا يزيد على الأصل وهذا هو المقيد لتلك الأدلة الدالة على النجاسة على الاطلاق وثالثها أنه كالمحل بعدها أي بعد الغسلة فإن كان طاهرا فهي طاهرة كماء الغسلة الثانية فيما يجب غسله مرتين وإن كان المحل نجسا فهي نجسة على ذلك الوجه كماء الغسلة الأولى فيجب غسل ما لاقته مرة واحدة لان محلها يطهر بعدها بغسلة واحدة وهو اختيار الشيخ في الخلاف وحجته إن المحل بعد الأخيرة طاهر مع بقاء بعض مائها فيه والماء الواحد لا تختلف أجزاؤه في الطهارة والنجاسة وجوابه اختصاص المتصل بالعفو والحرج والضرورة بخلاف المنفصل ويعارض بماء الأولى للقطع ببقاء شئ منه ورابعها أنه كالمحل بعده أي بعد الغسل كله وهو على طرف النقيض بالنسبة إلى القول الأول فماء الغسالة طاهر مطلقا سواء في ذلك الأولى والأخيرة ذهب إليه الشيخ في المبسوط والمرتضى رحمهما الله لكن قيده بورود الماء على النجاسة وتبعهما ابن إدريس وجماعة ويظهر من الشهيد في الذكرى الميل إليه لاستضعافه أدلة النجاسة واعترافه بأنه لا دليل عليها سوى الاحتياط والحجة على هذا القول أنه لو حكم بنجاسة القليل الوارد لم يكن لوروده أثر ومتى لم يكن له أثر لم يشترط الورود فيطهر النجس وإن ورد على القليل ولأنه لو حكم بنجاسته لم يطهر المحل بالغسل العددي والتالي باطل بالاجماع والملازمة واضحة وهذه حجة المرتضى قال في الذكرى ويلزمه أن لا ينجس بخروجه بطريق أولى وأجاب المصنف في المخ بمنع الملازمة فإنا نحكم بطهر الثوب والنجاسة في الماء بعد انفصاله عن المحل وهو تعسف زائد فإن الماء إذا لم ينجس بملاقاة النجاسة له لم ينجس بعد انفصاله عنها ومفارقته لها بطريق أولى لان المقتضى للتنجيس هو الملاقاة لها لا مفارقتها فكيف يرتكب فك المعلول عن علته التامة ثم وجوده بدونها إن قيل الدليل لما دل على نجاسته بعد الاتصال والانفصال وتوقف طهارة المحل على عدم نجاسة الماء اقتصر فيه على محل الضرورة وهو ما قبل الانفصال لا ما بعده قلنا الانفصال لا يصلح سببا للنجاسة ولا جزاء للسبب لعدم صلاحيته لذلك فإنه مقتض لبعد الماء عن النجاسة وذلك يقينا في قبوله أثرها ولولا يرتكب طهارته مطلقا كما في ماء الاستنجاء فإن وجود النظير يمنع الاستبعاد أو يحكم بنجاسته مطلقا للدليل والحكم بطهر المحل خرج بحكم الشارع وبالإجماع وبأنه لولاه لما أمكن التطهير بالقليل وهنا قول خامس حكاه الشهيد رحمه الله في حاشية الألفية عن بعض الأصحاب ولم يسمه وهو أن ماء كل غسلة كمغسولها قبل الغسل وإن حكم بطهارة المحل بدو أن ترامت لا إلى نهاية محتجا بأنه ماء قليل لا في نجاسة وبيانه إن طهارة المحل بالقليل على خلاف الأصل المقرر من نجاسة القليل بالملاقاة فيقتصر فيه على موضع الحاجة وهو المحل دون الماء ويدفعه حكم الشارع بالطهارة عند تمام الغسلات ولا اعتبار بما حصل بعد ذلك وللزوم الحرج المنفى وربما نسب هذا القول إلى المصنف وكلامه بالقول الأول أليق وتحقيقه به أنسب ووجه مناسبة عباراته له أنه يسوقها في الماء المستعمل في إزالة النجاسة وبعد الحكم بالطهارة شرعا لا يصدق النجاسة وما نبهنا عليه من الأقوال وحررناه لا يكاد يوجد مجموع الأطراف فيما علمناه وإن كان بعض الفضلاء
(١٥٩)