أحرم عاما من المسجد حين أهل هلال ذي الحجة ثم عاما آخر كذلك فلما كان العام الثالث لم يحرم حتى كان يوم التروية قال مجاهد: فسألته عن ذلك؟ فقال: إني كنت امرءا من أهل المدينة فأحببت ان أهل باهلالهم ثم ذهبت أنظر فإذا أنا أدخل على أهلي وأنا محرم وأخرج وأنا محرم فإذا ذلك لا يصلح لان المحرم إذا احرم خرج لوجهه، قال مجاهد:
فقلت لابن عمر: فأي ذلك ترى؟ قال: يوم الترية، فهذا ابن عمر قد أخبر ان فعل الصحابة ان يهل المتمتع وأهل مكة يوم التروية ورغب عن رأى أبيه لو ثبت أيضا عنه * (فان قالوا): إنما اخترنا له ذلك ليكون أشعث قلنا: ما علمنا الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم اختار الشعث للمحرم فان اخترتموه فأمروهم بالاهلال من أول شوال فهو أتم للشعث * وأما قولنا: ان يؤذن المؤذن إذا أتم الامام الخطبة بعرفة. ثم يقيم لصلاة الظهر. ثم يقيم للعصر ولا يؤذن لها. فلما ذكرناه في الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم آنفا وهو قول أبى سليمان، واحد قولي مالك، وقال مالك مرة أخرى: ان شاء أذن والامام في الخطبة وان شاء إذا أتم * وقال أبو حنيفة. وأبو ثور: يؤذن إذا قعد الامام على المنبر قبل ان يأخذ في الخطبة * وقال أبو يوسف: يؤذن قبل خروج الامام ثم رجع فقال: يؤذن بعد صدر من الخطبة، وذكر ذلك عن مؤذن من أهل مكة * وقال الشافعي: يأخذ في الاذان إذا أتم الامام الخطبة الأولى * قال أبو محمد: هذه أقوال لا حجة لصحة شئ منها (فان قالوا): قسنا ذلك على الجمعة قلنا: القياس باطل ثم لو كان حقا لكان هذا منه عين الباطل لأنه ليس قياس الاذان بعرفة على الاذان بالجمعة بأولى من القياس للجمعة على ما روى في عرفة لا سيما وأنتم تقولون: لا جمعة بعرفة (فان قيل): فأنتم تقولون: ان الجمعة بعرفة كما هي في غيرها من البلاد قلنا: نعم وليس ذلك بمبيح مخالفة ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في صفة الاذان فيها بخلافه في سائر البلاد كما كان بعرفة حكم الصلاة في الجمع بين الظهر. والعصر بخلاف ذلك في سائر البلاد، ولو قلنا: إن هذه الأقوال خلاف لاجماع الصحابة رضي الله عنهم كلهم في القول بذلك لصدقنا * وأما قولنا: بالجمع بين صلاتي الظهر. والعصر بعرفة بأذان واحد وإقامتين وبمزدلفة بين المغرب والعتمة كذلك أيضا فلما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخبر المذكور، وقد اختلف الناس في هذا فقال أبو حنيفة. والشافعي في الصلاة بعرفة: كما قلنا، وقال مالك:
بأذانين وإقامتين لكل صلاة أذان وإقامة. وما نعلم لهذا القول حجة أصلا لامن سنة صحيحة،