باب النفر من منى ودخول الكعبة ووداع البيت:
ولا بأس أن ينفر الانسان من منى يوم الثاني من أيام التشريق وهو اليوم الثالث من يوم النحر، فإن أقام إلى النفر الأخير وهو اليوم الثالث من أيام التشريق والرابع من يوم النحر كان أفضل، ويوم الحادي عشر يسمى يوم القر لأن الناس يقرون فيه بمنى ولا يبرحونه، والثاني عشر يوم النفر الأول، والثالث عشر يوم النفر الثاني وليلته تسمى ليلة التحصيب لأنه النفر الأخير، والتحصيب يستحب لمن نفر في النفر الثاني دون الأول على ما قدمناه.
وقال شيخنا في مبسوطه: وليلة الرابع ليلة التحصيب، فإن أراد رحمه الله الرابع من يوم النحر فصحيح، وإن أراد الرابع عشر فغير واضح لأن التحصيب لا يكون إلا لمن نفر في النفر الأخير، والنفر الأخير بلا خلاف بين الأمة هو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة.
فإن كان ممن أصاب النساء في إحرامه أو صيدا لم يجز له أن ينفر في النفر الأول ويجب عليه المقام إلى النفر الأخير، وإذا أراد أن ينفر في النفر الأول فلا ينفر إلا بعد الزوال إلا أن تدعوه ضرورة إليه من خوف وغيره فإنه لا بأس أن ينفر قبل الزوال وله أن ينفر ما بينه وبين الزوال وما بينه وبين غروب الشمس.
فإذا غابت الشمس لم يجز له النفر وليبت بمنى إلى الغد، وإذا نفر في النفر الأخير جاز له أن ينفر من بعد طلوع الشمس أي وقت شاء، فإن لم ينفر وأراد المقام بمنى جاز له ذلك إلا الإمام خاصة فإن عليه أن يصلى الظهر بمكة.
ومن نفر من منى وكان قد قضى مناسكه كلها جاز له أن يدخل مكة، وإن كان قد بقي عليه شئ من المناسك فلا بد له من الرجوع إليها، والأفضل على كل حال الرجوع لتوديع البيت وطواف الوداع.
ويستحب أن يصلى الانسان بمسجد منى وهو مسجد الخيف والخيف سفح الجبل لأن كل سفح الجبل عند أهل اللسان يسمى خيفا، فلما كان هذا المسجد في سفح الجبل سمي مسجد الخيف، وكان رسول الله ص مسجده عند المنارة التي في وسط المسجد وفوقها إلى القبلة نحوا من ثلاثين ذراعا وعن يمينها