فإذا صلى عند الرخامة على ما قدمناه وفي زوايا البيت قام فاستقبل الحائط بين الركن اليماني والغربي يرفع يديه عليه ويلتصق به ويدعو، ثم يتحول إلى الركن اليماني فيفعل به مثل ذلك، ثم يفعل مثل ذلك بباقي الأركان، ثم ليخرج.
ويكره أن يصلى الانسان الفريضة جوف الكعبة مع الاختيار، فإن اضطر إلى ذلك لم يكن عليه بأس، فأما النوافل فمرغب الصلاة فيها شديد الاستحباب.
وقال شيخنا أبو جعفر في نهايته في هذا الباب: ولا يجوز أن يصلى الانسان الفريضة جوف الكعبة، وإليه يذهب في مسائل خلافه والصحيح أنه مكروه غير محظور وقد ذهب إلى الكراهة في جمله وعقوده وهو الأظهر بين أصحابنا، وما ورد من لفظ: لا يجوز، يحمل على تغليظ الكراهة دون الحظر لأن الشئ إذا كان عندهم شديد الكراهة قالوا: لا يجوز، وقد ذكرنا ذلك وأشبعنا القول فيه فيما مضى من كتاب الصلاة.
فإذا خرج من البيت عاد فاستقبله وصلى عن يمينه ركعتين، ويستحب له أن يلح بالدعاء عن الحطيم فإنه أشرف بقعة على وجه الأرض، والحطيم ما بين الحجر الأسود وباب الكعبة، وسمي حطيما لأن ذنوب بنى آدم تتحطم عنده على ما روي في الأخبار.
فإذا أراد الخروج من مكة جاء إلى البيت فطاف به أسبوعا طواف الوداع سنة مؤكدة، فإن استطاع أن يستلم الحجر والركن في كل شوط فعل، وإن لم يتمكن فعل ذلك في ابتداء طوافه وانتهائه، ثم يأتي المستجار فيصنع عنده كما صنع يوم قدم مكة ويتخير لنفسه من الدعاء ما أراد، ثم يستلم الحجر الأسود، ثم يودع البيت فيقول:
اللهم لا تجعله آخر العهد من بيتك.
ثم ليأت زمزم فيشرب من مائها وبئر زمزم بئر لا عين حكمها حكم الآبار ينجسها ما ينجس الآبار ويطهرها ما يطهر الآبار، وسميت بهذا الاسم قال أبو الحسن علي بن الحسين المسعودي في كتابه المترجم بمروج الذهب ومعادن الجوهر في التاريخ وغيره وهو كتاب حسن كبير كثير الفوائد وهذا الرجل من مصنفي أصحابنا معتقد للحق له كتاب المقالات قال: وقد كانت أسلاف الفرس تقصد البيت الحرام وتطوف به تعظيما لجدها إبراهيم وتمسكا بدينه وحفظا