اللسان لا يستعملون هذا القول فيما دون أقل من ثلاثة أشهر فيقولون: فلان غاب شهرا، إذا أكمل الشهر بغيبته، و: فلان غاب شهرين، إذا كان فيهما جميعا غائبا، و: فلان غاب ثلاثة أشهر إذا دامت غيبته في الثلاثة. فثبت أن أقل ما يطلق عليه لفظ الأشهر في حقيقة اللغة ثلاثة أشهر منها، فوجب أن يجري كلام الله وكتابه على الحقيقة دون المجاز لأن الكلام في الحقائق دون المجازات والاستعارات، ويزيد ذلك بيانا ما روي عن الأئمة من آل محمد ع: أن أشهر الحج ثلاثة: شوال وذو القعدة وذو الحجة. ويصحح هذه الرواية عن الأئمة ع ما أجمعت عليه الطائفة عنهم عليهم السلام في جواز ذبح الهدي طول ذي الحجة، وطواف الحج وسعي الحج طول ذي الحجة وكذلك طواف النساء عندنا، وقالوا ع: فإن لم يجد الهدي حتى يخرج ذو الحجة أخره إلى قابل فإن أيام الحج قد مضت، فجعلوا ع آخر منتهى الحج آخر ذي الحجة.
فإن قال قائل: ما أنكرتم أن يكون آخر أشهر الحج اليوم العاشر من ذي الحجة بدلالة إجماع الأمة على: أنه ليس لأحد أن يهل بالحج ولا يقف بعرفة بعد طلوع الفجر من يوم النحر، وذلك أنه لو كان باقي ذي الحجة من أشهر الحج لجاز فيها ما ذكرناه.
قيل له: قد تقدم القول في بطلان هذا المذهب بما ذكرناه من كلام العرب و حقيقة اللسان، وقد قال الله تعالى: وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم، وقال تعالى: قرآنا عربيا غير ذي عوج، فلو كان الأمر على ما يذهب إليه مخالفنا في المسألة لكان القرآن واردا على غير مفهوم اللغة، وذلك ضد الخبر الذي تلوناه من الكتاب، على أن هذا الذي عارض به الخصم بين الاضمحلال وذلك أن أشهر الحج إنما هي له على ترتيب عمله، فبعضها وقت للإهلال وبعضها وقت للطواف والسعي وبعضها وقت للوقوف، وقد اتفقنا جميعا بغير خلاف أن طواف الزيارة من الحج وهو بعد الفجر من يوم النحر وكذلك السعي، وطواف النساء عندنا على ما مضى بيانه والمبيت ليالي التشريق بمنى ورمى الجمار بعد يوم النحر فثبت بذلك أن القول في ذلك على ما اخترناه.
واختلف أصحابنا في أقل ما يكون بين العمرتين، فقال بعضهم: شهر، وقال بعضهم: يكون في كل شهر يقع عمرة، وقال بعضهم: عشرة أيام، وقال بعضهم: لا أوقت وقتا ولا أجعل بينهما مدة ويصح في كل يوم عمرة.