أما ما ذكره في الشق الأول ففيه: أن الانسان قد يندم على ما فعله، ويكون لشدة خجله مما فعل غافلا عن حب المغفرة. فلا ملازمة بين الأمرين، ولعل الشيخ يريد حال الالتفات وتحقق الاشتياق إلى المغفرة.
وفي الشق الثاني نقول بالوجه الأول وهو عدم الاعتبار لاطلاقات الندم، وأما رواية (لا كبيرة مع الاستغفار) فلا تنفي زوال الكبيرة مع التوبة، لعدم إفادتها الحصر، بل إن الاستغفار المؤثر يكون دائما عن الندم. وكذا الكلام في الخبرين الآخرين.
والتحقيق: إن الانسان التائب يسؤه فعله في أول الأمر فيندم منه، ثم يستغفر الله، أي يطلب منه الغفران، فالاستغفار هو طلب المغفرة المسبوق بالندم والعزم على عدم العود. والمراد من التوبة هو الرجوع إلى الله، والإطاعة العملية في أوامره ونواهيه.
والمستفاد من قوله عليه السلام في خبر جنود العقل والجهل: (التوبة وضدها الاصرار، والاستغفار وضدها الاغترار) هو أن التوبة توجب المغفرة من الله تفضلا منه عز وجل، لكن التائب مأمور بالاستغفار لئلا يغتر بعفو الله وتوبته عليه، فيكون الاستغفار غير التوبة، وهي تتحقق بدونه لكنه مكمل لها.
فتحصل أن التوبة غير الاستغفار لغة وعرفا، نعم قد يظهر الانسان ندمه على المعصية وعزمه على عدم العود بقوله أستغفر الله، كما يظهر ذلك بقوله أتوب إلى الله. وإذا جمع بينهما فقال: أتوب إلى الله واستغفره، أو: أستغفر الله وأتوب إليه كان أكمل، لأن (أتوب إلى الله) اظهار للندم، (وأستغفر الله) طلب للستر عليه، فإن الغفر في اللغة التغطية، فهو حينما يندم ويتوب إلى الله يطلب منه الستر، لأن الله قد لا يستر على من عصاه، كما في قصة آدم عليه السلام، إذ قال: (وعصى آدم ربه فغوى) وحكى قصته في القرآن الكريم وغيره من