من قبل أن ليس معه من لزوجة لحم غيره ما يمنع من سرعة انهضامه، ولا معه من رطوبته أيضا ما يزلقه ويحدره قبل تمام هضمه، إلا أن غذاءه يختلف في جودته ورداءته وسرعة انهضامه وإبطائه على حسب اختلاف سنه ومزاجه. أما من اختلاف سنه، فإن منه الرضيع، ومنه الحولي الذي هو بعد في النمو القريب العهد بالميلاد، ومنه الهرم الطاعن في السن.
فما كان منه رضيعا، كان في رطوبته ولزوجته قريبا من لحم الحيوان البارد، لاكتسابه ذلك من الجهتين: إحداهما: من بطن أمه في حال حملها به لقربه من ذلك، والأخرى: من رطوبة اللبن الذي يغتذي به. ولذلك صار أذم وأعسر انهضاما لاجتماع الرطوبة فيه من الجهتين جميعا، أعني من جهة السن ومن جهة المزاج. ومن قبل ذلك صار مزلقا للمعدة منحدرا قبل تمام هضمه، ولا سيما متى وافى المعدة زائدة الرطوبة بالطبع ضعيفة عن تمام الهضم. ومن خاصته: أنه مولد للفضول الغليظة اللزجة.
ولهذه الجهة ذم جالينوس الضأن، الخراف، والنعاج، لان الدم المتولد عنها أرطب من المعتدل، وأحرى بأن يولد الفضول البلغمية الكبيرة، وأخصها بذلك الخراف وبعدها النعاج، إلا أن يكون مزاج المستعمل لها جافا ومعدته يابسة بالطبع. وأما الفتي من الضأن فإن رطوبته ولزوجته أقل (1) لغلبة الجفاف على هذا السن بالطبع.
ولذلك صار لحم الفتي من الضأن أفضل من لحم الخراف والنعاج لأنه أعدل رطوبة. ولاعتدال رطوبته صار إذا انهضم ولد دما محمودا وغذاء كثيرا حسنا قويا بعيدا من البلغم، وإن كان الدم المتولد عنه دون الدم المتولد عن الفحول الرضع، ودون دم ما كان من البقر بعد النشوء قريب العهد بالميلاد.
وأحمد ما كان الفتي من الضأن إذا أخصي لأنه أعدل حرارة ورطوبة وألذ طعما وأعذب لحما، إلا أن يطعن في السن ويقارب الهرم فيصير مذموما جدا، ويكون ما لم يخص أفضل منه، من قبل أن حرارة الهرم من كل حيوان، بإضافته إلى جنسه، أضعف بالطبع. وإذا كان خصيا، اجتمع له ضعف الحرارة من جهتين: من جهة أنه هرم، ومن جهة أنه مخصي (2)، وخرج من حيز الغذاء.
وأما الحولي من الضأن والقريب العهد بالميلاد، فإن مزاجه متوسط بين رطوبة الخروف وجفاف الفتي. ولذلك صار أحمد أنواع الضأن وأسرعها انهضاما وأقربها من تولد الدم المحمود وأخصها بالنفع للشبان ومن كان مزاجه حارا يابسا وبخاصة في البلدان الحارة والأزمنة الكذلك.
وأما الهرم من الضأن فأردأ أنواع الضأن وأفسدها لحما وأذمها مزاجا، من قبل أن الهرم من كل حيوان بإضافته إلى جنسه الذي هو منه أقل حرارة وأيبس مزاجا. ولذلك صار لحمه ليفيا جافا قحلا لا لذاذة له ولا غذاء، إلا أنه إذا كان من حيوان أسخن وأرطب بالطبع مثل الضأن، كان أفضل وإن كان في