الانسان أو غذاء ودواء، ونهمل ذكر ما سوى ذلك إذا (1) كان خارجا عن معنى ما قصدناه. وبالله توفيقنا وعليه توكلنا. فأقول: إن الحيوان المغذي ينقسم قسمة جنسية على ضربين: لان منه البري، ومنه الأهلي.
فالبري من الحيوان، بإضافته إلى الأهلي من جنسه، أسخن وأيبس وأسرع انهضاما، إلا أنه أفسد غذاء، وذلك لدوام حركته وتعبه واستنشاقه السموم دائما، لغلبة الحرارة واليبوسة على هوائه بدوام وقوع حر الشمس عليه. ولذلك صار غذاؤه أقل وجوهره أذم، إلا أن يكون ماعزا، فإن البري من الماعز أفضل لان زيادة حرارة البري على الأهلي تعدل برد الماعز الطبيعي وتفيده حرارة. وكثرة حركة الحيوان البري وتعبه يذهبان (2) بزفورة الماعز ويعينان (2) على جودة انهضامه.
وأما الأهلي من كل حيوان فهو، بإضافته إلى البري من جنسه، أعدل حرارة وأقل يبوسة، وذلك لقلة حركته ودوام سكونه واستنشاقه الهواء اللطيف دائما لاعتدال هوائه الذي يأوي فيه لقلة وقوع حر الشمس عليه. ولذلك صار غذاؤه أكثر وجوهره أحمد، إلا أنه أغلظ وأبعد انهضاما وأبطأ انحدارا.
وكل واحد من الحيوان البري والأهلي يكون على ثلاثة ضروب: لأنه لا يخلو من أن يكون إما ذكرا أو أنثى وإما خصيا خارجا عن طبيعة الذكر والأنثى لأنه أقرب من طبيعة الأنثى في الرطوبة وطبيعة الصغير القريب العهد بالميلاد في الحرارة. والذكر من كل حيوان أقوى حرارة وأقل رطوبة وأسرع انهضاما وأحمد غذاء. والأنثى من كل حيوان أضعف حرارة وأكثر رطوبة وأبعد انهضاما وأردأ غذاء خلا الأنثى من الماعز فإنها أفضل غذاء من الذكر منه، من قبل أن الماعز في طبيعته جاف يابس (3)، إذا كان ذكرا زاده قحلا وجفافا وأفاده غلظا وبعد انهضام وفساد غذاء. وأما الخصي من الحيوان فإنه، وإن كان قريبا من طبيعة الأنثى في الرطوبة، فإنه مخالف لها في الحرارة لان حرارته متوسطة بين حرارة الذكر والأنثى، ولذلك صارت (4) حرارته مشاكلة لحرارة الصغير القريب العهد بالميلاد، لان القريب العهد بالميلاد أعدل حرارة من الفتي وأقوى حرارة من الأنثى. فالخصي من الحيوان إذا أقل حرارة من الذكر وأكثر حرارة من الأنثى لان حرارته أقوى بالطبع، لأنه كان ذكرا. ولذلك صار أسرع انهضاما من الأنثى وأحمد غذاء. وكل واحد من الأنثى والذكر لا يخلو إما أن يكون رضيعا وإما هرما وإما حوليا قريب العهد بالميلاد، وإما فتيا مستكمل السن بعيد العهد بالميلاد.
والرضيع من كل حيوان أقوى حرارة بالطبع وأرطب مزاجا وأرخى لحما لغلبة الدم على مزاجه الطبيعي (5). فإذا كان كذلك وكان من حيوان هو في جنسه أرطب بالطبع، مثل الضأن والخنازير، اجتمعت له الرطوبة من الجهتين جميعا من السن والمزاج وصار لزجا بعيد الانهضام سريع الانحدار عن المعدة