يشرب باللبن، فإنه ما يفعل أفاعيل مختلفة على حسب طبيعة اللبن المستعمل معه، لان اللبن متى كان من ماعز، كان إطلاقه للبطن أعدل وتغذيته للبدن أحمد. وإن كان اللبن من البقر، كان تبريده للبدن أكثر وإطلاقه أقل. وإن كان اللبن من نعاج كانت (1) تغذيته للبدن أزيد وإطلاقه للبطن أكثر. وإن كان اللبن لبن لقاح، كان إسخانه للبدن أكثر وإطلاقه للبطن أزيد.
وأما خبز الشعير، فقد كنا بينا فيه: أن غذاءه أقل من غذاء خبز الحنطة لان لزوجته وغلظه أقل من لزوجة الحنطة وعلوكتها. ولهذا صار أسرع انهضاما وأسهل انحدارا عن المعدة والمعاء. وإن كان ذلك قد يختلف فيه على حسب اختلاف جوهر الشعير، لان ما كان منه (2) يتخذ من شعير مكتنز خشن السطح ثقيل الوزن، ومنه ما يتخذ من شعير أبيض ممتلئ خفيف الوزن أملس السطح ممتد القشر.
فالذي كان منه متخذا من شعير مكتنز خشن السطح ثقيل الوزن، كان غذاؤه أكثر وانهضامه أبطأ، ذلك لفضل لزوجته على غيره من الشعير. وما كان متخذا من شعير أبيض ممتلئ خفيف الوزن أملس ممتد القشر، كان غذاؤه أقل انهضامه أسرع، ذلك لخفته وقلة لزوجته.
وقد يتخذ من الشعير شراب، كما يتخذ للفقاع (3) إلا أنه يولد خلطا رديئا مصدعا للرأس، مضرا بالأعضاء وحجب (4) الدماغ والكلى. وكذلك الفقاع يفعل هذه الأفاعيل، إلا أنه مدر للبول. وإذا أنقع العاج في الفقاع، سهل عمل العاج وصنعته.