ويقل جلاؤه وتخليله. وقد يستعمل (1) الشعير على ضروب من الصنعة، فتختلف قواه وأفعاله في البدن حتى أنه ربما برد الأبدان ورطبها، وربما أسخنها وجففها، وربما لم يكن له تأثير بين في ترطيب الأبدان وتبريدها. فأما ما يتخذ من الشعير لترطيب الأبدان وتبريدها بالحسو المتخذ منه، وذلك أن (2) الشعير إذا قشر من قشره وطبخ بماء كثير وصفي وشرب، اكتسب من الماء رطوبة يرطب بها الأبدان ويبردها ويقطع العارض لها.
وأما ما يجفف الأبدان من الشعير، والسويق المتخذ منه، (ف) لان السويق المتخذ منه، من الشعير يكتسب من النار يبوسة وجفافا، ويجفف تجفيفا قويا، إلا أن ينقع في ماء حار ساعة ويغسل بالماء البارد مرات عداد حتى يربو وينتفخ غاية الانتفاخ، وليشرب بماء كثير ليكتسب من الماء برودة ورطوبة يزول بها أكثر تجفيفه المكتسب من الماء، ويقوى على تسكين الحرارة وقطع العطش.
وأما ما لا يجفف من الشعير ولا يرطب، والخبز المستعمل منه، فإنه ليس له فعل في ترطيب الأبدان ولا تجفيفها، من قبل أن الصنعة لم تكسبه رطوبة ولا أفادته يبوسة، لان الرطوبة التي كان اكتسبها من الماء الذي عجن به، قد أزالتها عنه قوة فعل النار. فهو إذا غير مرطب للأبدان ولا مجفف لها.
وقد يستعمل حسو الشعير على ضربين: لان منه ما يستعمل للاصحاء. ومنه ما يستعمل للمرضى. والذي يستعمل منه للاصحاء، فعلى هذا المثال: يؤخذ الشعير فينقع في ماء عذب وقتا يسيرا، ثم ينحى من الماء ويصير في هاون حجر ويجعل معه شئ خشن، إما ملح وإما غيره ويدق حتى ينفش (3) قشره عنه، ويجفف وينشف بحالته ويؤخذ مقدار الحاجة ويغسل بالماء العذب مرات كثيرة حتى يتنظف ويصير في قدر برام (4) ويلقى عليه من الماء لكل كيل منه خمسة (4) عشر كيلا، ويغطى القدر بغطاء ويطين الوصل الذي بين الغطاء وبين القدر بعجين أو بغيره، ويطبخ حتى يصير إلى غاية انتفاخه، ويأخذ في الانحلال والذوبان، وينحى عنه الغطاء ويحرك بعود من شبت حتى ينحل الشعير ويصير هو والماء شيئا واحدا، ولا يحرك قبل أن يلين ويسترخي ويقارب النضج كيلا تتكسر أطرافه الدقاق ويحترق قبل تمام نضجه ويصبر عليه إلى أن يذهب منه أربعة أخماسه ويبقى الخمس، ثم يلقى فيه شئ من ملح مسحوق، ويحرك حتى يذوب الملح وينزل عن النار ويصفى ويشرب.
فإن قصد المستعمل له تغذيته للبدن فقط، فيلقي معه في الابتداء أصل الكراث أو عود شبت ويطبخها معه. وإن كان قصده مع تغذية البدن تطفئة الحرارة وتسكينها، القي فيه شئ من خل. وإن كان قصده الزيادة في لبن النساء ألقي فيه شئ من بزر الرازيانج. وإن كان مزاج المستعمل له محرورا،