على شاطئ النيل يقطع بيتا من الشعر فرآه رجل فقال هذا يريد ان يسحر النيل لئلا يزيد فاجتمع عليه العامة فقتلوه. وجاءت امرأة إلى بقال فسمعته يقطع بيتا ويقول فاعلاتن فاعلاتن فقالت له أمك الفاعلة.
قال ياقوت ووجه إليه سليمان بن علي والي الأهواز لتأديب ولده فاخرج الخليل لرسول سليمان خبزا يابسا وقال ما دمت أجده فلا حاجة لي إلى سليمان فقال الرسول فما أبلغه عنك فقال:
أبلغ سليمان اني عنه في سعة * وفي غنى غير اني لست ذا مال شحا بنفسي اني لا أرى أحدا * يموت هزلا ولا يبقى على حال فالرزق عن قدر لا العجز ينقصه * ولا يزيدك فيه حول محتال والفقر في النفس لا في المال تعرفه * ومثل ذاك الغنى في النفس لا المال وفي مرآة الجنان الذي كتب إليه هو سليمان بن حبيب بن المهلب وكان في ولايته ارض فارس والأهواز وفي كتاب الفلاكة والمفلوكين كان له راتب على سليمان بن حبيب بن المهلب بن صفرة الأزدي وكان والي فارس والأهواز فكتب إليه يستدعيه فكتب الخليل جوابه: أبلغ سليمان اني عنه في سعة الأبيات فقطع سليمان عنه الراتب فأنشد بيتين في ذلك أقول هما قوله:
ان الذي شق فمي كافل * للرزق حتى يتوفاني حرمتني مالا قليلا فما * زادك في مالك حرماني فبلغت سليمان فكتب إليه يعتذر واضعف له الراتب فقال الخليل:
وزلة يكثر الشيطان ان ذكرت * منها التعجب جاءت من سليمانا لا تعجبن لخير زل عن يده * فالكوكب النحس يسقي الأرض أحيانا وروي انه اجتمع الخليل بن أحمد وعبد الله بن المقفع ليلة يتحدثان إلى الغداة فقيل للخليل كيف رأيت ابن المقفع فقال رأيت رجلا علمه أكثر من عقله وقيل لابن المقفع كيف رأيت الخليل قال رأيت رجلا عقله أكثر من علمه وقد صدقا في ذلك فعقل الخليل أدى به إلى الزهد في الدنيا وعقل ابن المقفع أدى به إلى طلب الدنيا حتى قتل في سبيل طلبها وقال ابن أبي الحديد قيل للأصمعي أيما كان أعظم ذكاء وفطنة الخليل أم ابن المقفع فقال كان ابن المقفع أفصح واحكم والخليل آدب واعقل ثم قال شتان ما بين فطنة أدت بصاحبها إلى القتل وفطنة أفضت بصاحبها إلى النسك والزهد في الدنيا اه وكان ابن المقفع كتب كتاب عهد عن لسان المنصور أغضبه وكان يسخر بأمير البصرة فقتله الأمير وتغاضى المنصور عنه فذهب دمه هدرا.
وفي شذرات الذهب قال تلميذه النضر بن شميل جاءه رجل من أصحاب يونس يسأله عن مسالة فاطرق الخليل يفكر وأطال حتى انصرف الرجل فعاتبناه فقال ما كنتم قائلين فيها قلنا كذا وكذا قال فان قال كذا وكذا قلنا نقول كذا وكذا فلم يزل يغوص حتى انقطعنا وجلسنا نفكر فقال إن العاقل يفكر قبل الجواب وقبيح ان يفكر بعده وقال ما أجيب بجواب حتى اعرف ما علي فيه من الاعتراضات والمؤاخذات وقرأ عليه رجل في العروض فلم يفهم فقال له الخليل قطع هذا البيت:
إذا لم تستطع شيئا فدعه * وجاوزه إلى ما تستطيع قال الخليل فشرع الرجل في تقطيعه على مبلغ علمه ثم قام فلم يرجع إلي فعجبت من فطنته لما قصدته في البيت مع بعد فهمه ولكن في الروضات ان ذلك الرجل هو يونس بن حبيب النحوي اه ويبعد أن يكون يونس في علمه وفضله يقع منه ذلك. وقيل لما دخل البصرة لمناظرة أبي عمرو بن العلاء جلس إليه ولم يتكلم بشئ فسئل عن ذلك فقال هو رئيس منذ خمسين سنة فخفت ان ينقطع فيفتضح في البلد اه الشذرات أقول أبو عمرو بن العلاء شيخه فكيف يجتمع ذلك مع مجيئه لمناظرته وقوله هذا القول. وفي خاص الخاص قال ابن المبارك كنت أماشي الخليل فانقطع شسع نعلي فخلعتها وطفقت أمشي فخلع الخليل أيضا نعليه فقلت بأبي أنت يا أبا عبد الرحمن لم خلعتهما فقال لأساعدك على الحفاء. وفي الرياض يحكى عن الخليل أنه كان ينشد كثيرا هذا البيت وهو للأخطل:
وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد * ذخرا يكون كصالح الأعمال وفي مرآة الجنان: من براعة ذكائه ما ذكر في كتاب المقتبس أنه كان رجل يعطي دواء لظلمة العين ينتفع به الناس فمات ولا يعرف ذلك الدواء غيره فذكر ذلك للخليل فقال هل له نسخة فقالوا لا فقال هل كان له اناء يعمل الدواء فيه قالوا نعم فاتى به فجعل يتشممه ويخرج نوعا نوعا حتى ذكر خمسة عشر نوعا ثم سئل عن جمعها ومقدارها فعرف ذلك فعمله وأعطاه الناس فشفوا به ثم وجدت نسخته والاخلاط المذكورة فيها ستة عشر لم يغفل الا واحد.
وفي الرياض: نقل انه دخل رجل على الخليل بن أحمد ومعه ولده فقال أريد أن تعلم ابني هذا النحو والنجوم والطب والفرائض والحمار بالباب فقال الرفع للفاعل في الأسماء والثريا في الشتاء على وسط السماء والسقمونيا مسهل للصفراء وإذا مات رجل وله ابنان فالمال بينهما على السواء ثم قال قوله أريد ان تعلم ابني إلى قوله بالباب مثل مشهور بين العجم ولكنه ينسب إلى بعض القرويين وله قصة مشهورة اه. وعن كشف الغمة عن محمد بن سلام الجمحي عن يونس بن حبيب النحوي تلميذ الخليل (1) قلت له أريد ان أسألك عن مسالة فتكتمها علي قال قولك يدل على أن الجواب أغلظ من السؤال فتكتمه أيضا قلت نعم، أيام حياتك، قال سل قلت ما بال أصحاب النبي ص كأنهم كلهم بنو أب واحد وأم واحدة وعلي من بينهم كأنه ابن علة (2) قال من أين لي الجواب قلت قد وعدتنيه قال وقد ضمنت لي الكتمان قلت: أيام حياتك قال إن عليا تقدمهم اسلاما وفاقهم علما وبذهم شرفا ورجح عليهم زهدا وطالهم جهادا والناس إلى أشكالهم وأشباههم أميل منهم إلى من بان عنهم وعن الصدوق في أماليه عن أبي زيد النحوي الأنصاري سالت الخليل بن أحمد لم ترك الناس عليا وقربه من رسول الله ص قربه وموضعه من المسلمين موضعه وغناؤه في الاسلام غناؤه فقال بهر والله نوره أنوارهم وغلبهم على صفو كل منهل والناس إلى أشكالهم أميل أما سمعت قول الأول:
وكل شكل لشكله آلف * أما ترى الفيل يألف الفيلا قال وأنشدنا الرياشي في معناه للعباس بن الأحنف:
وقائل كيف تهاجرتما * فقلت قولا فيه انصاف لم يك من شكلي فهاجرته * والناس أشكال وآلاف مشايخه في معجم البلدان أخذ عن أبي عمرو بن العلاء وروى عن أيوب