عرف انها تصدر عادة بالبسملة والحمدلة ونحوهما. وهذه الحكاية نقلها صاحب الروضات عن محاضرات الراغب وانه جاءته رسالة من بعض اليونانيين بلسانهم فخلا بها شهرا حتى فهمها فقيل له في ذلك فقال علمت أنه لا بد ان يفتتح الكتاب باسم الله فبنيت على ذلك وقسمت عليه.
مخترعاته ومبتكراته ابتكر الخليل واخترع في العلم أمورا لم يسبقه إليها أحد وتبعه فيها كل من تأخر عنه حتى اليوم وبعد اليوم 1 العروض 2 الموسيقي 3 ضبط لغة العرب كلها بكتاب 4 الشكل وهذه قد وفق فيها وحاول أمرا خامسا وهو اختراع قاعدة في الحساب تسهل على كل أحد فحالت المنية بينه وبين ذلك. في بغية الوعاة: سبب موته انه قال أريد أن أعمل نوعا من الحساب تمضي به الجارية إلى الفامي (1) فلا يمكنه ان يظلمها فدخل المسجد وهو يعمل فكره فصدمته سارية وهو غافل فانصدع ومات.
العروض هو من مبتكرات الخليل ولو لم يكن له من المبدعات الا هذا العلم لكفاه منقية فإنه أبدع في تنسيق قواعده وضبط أبوابه كما بهر الألباب باختراعه فقد حصر أقسامه في خمس دوائر يستخرج منها خمسة عشر بحرا على كيفية أدهشت الفطن وحيرت الأفئدة ونحن نعلم أن كل مبتكر يعتريه في بادئ الامر الاضطراب ويعتوره النقص حتى يتم عمله من بعده سنة الله في خلقه ولكنا رأينا علم الخليل بلغ الرشد يوم ولادته فلم يستدرك عليه من جاء بعده بابا أهمله أو قاعدة أخل بها أو فصلا ذهل عنه الا ما كان من أمر البحر الذي زاده تلميذه الأخفش وسماه الخبب ولا يعسر رد هذا البحر إلى واحد من بحور الخليل سؤال الأخفش له عن أسماء بحور العروض في الشذرات سأله الأخفش عن بحور العروض لم سميتها بأسمائها فقال الطويل لأنه تمت اجزاؤه والبسيط لأنه انبسط على حد الطويل والمديد لتمدد سباعيه حول خماسيه والكامل لكمال اجزائه السباعية ليس فيه غيرها والوافر لوفور أجزائه لان فيه ثلاثين حركة لا تجتمع في غيره والرجز لاضطرابه كاضطراب قوائم الناقة الرجزاء والرمل لأنه يشبه رمل الحصير يضم بعضه إلى بعض والهزج لأنه يضطرب يتصرف شبه هزج الصوت والسريع لسرعته على اللسان والمنسرح لانسراحه وسهولته والخفيف لأنه أخف السباعيات والمقتضب لأنه اقتضب من الشعر لقلته والمضارع لأنه ضارع المقتضب والمجتث لأنه اجتث أي قطع من طول دائرته والمتقارب لتقارب اجزائه وأنها خماسية كلها يشبه بعضها بعضا اه وسمي الذي زاده الأخفش الخبب لأنه يشبه خبب الناقة في السير وسميت هذه الأبحر بهذه الأسماء إلى اليوم والى آخر الدهر.
الموسيقي لم يكن الخليل يميل إلى اللهو والقصف وينافي ذلك زهده وورعه وعبادته ولكنا رأيناه ألف كتابا في الموسيقي جمع فيه أصناف النغم وحصر أنواع اللحون وحدد ذلك كله ولخصه وذكر مبالغ أقسامه ونهايات اعداده فصار الكتاب آية في بابه ولما وضع إسحاق بن إبراهيم الموصلي كتابه في النغم واللحون عرضه على إبراهيم بن المهدي فقال له أحسنت فقال إسحاق بل أحسن الخليل لأنه جعل لي السبيل إلى الاحسان فقال بعض أهل العلم ان مهارة الخليل في علم الألحان هي التي اعانته على علم العروض.
الشكل كان الخط في صدر الاسلام خلوا من الشكل والاعجام فوضع أبو الأسود الدؤلي المتوفي سنة 69 ه علامات للحركات الثلاث فجعل علامة الفتحة نقطة فوق الحرف والكسرة تحته والضمة بين يديه وجعل التنوين نقطتين كل ذلك بمداد يخالف مداد الحرف وهكذا وجدناه في المصحف المنسوب إلى خط مولانا أمير المؤمنين ع في المكتبة الرضوية فلما وضع نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر بأمر من الحجاج نقط الاعجام اضطرب الامر واشتبه الاعجام بالشكل فتصدى الخليل لإزالة هذا اللبس فوضع الشكل على الطريقة المعروفة اليوم وبقي ذلك على مقاييس مضبوطة وعلل دقيقة بان جعل للفتحة ألفا صغيرة مضطجعة فوق الحرف وللكسرة رأس ياء صغيرة تحته وللضمة واوا صغيرة فوقه فان كان الحرف المحرك منونا كرر الحرف الصغير فكتب مرتين فوق الحرف أو تحته ذلك لان الفتحة جزء من الألف والكسرة جزء من الياء والضمة جزء من الواو ووضع للتشديد رأس شين بغير نقط ووضع للسكون دائرة صغيرة وهي الصفر من الأرقام العربية القديمة وذلك لان الحرف الساكن خلو من الحركة ووضع للهمزة رأس عين ء لقرب الهمزة من العين في المخرج ووضع لألف الوصل رأس صاد ص توضع فوق الألف الوصل مهما كانت الحركة فيها وللمد الواجب ميما صغيرة مع جزء من الدال هكذا آ فكان مجموع ما تم له وضعه ثماني علامات الفتحة والكسرة والضمة والسكون والشدة والهمزة والصلة والمدة كلها حروف صغيرة أو ابعاض حروف بينها وبين ما دلت عليه أجلى مناسبة بخلاف علامات أبي الأسود واتباعه فإنها مجرد اصطلاح لم يبن على مناسبة بين الدال والمدلول وألف الخليل في هذا الموضوع كتابا نفيسا فلم يزد أحد على طريقته هذه شيئا ولا أصلح منها رأيا فكأنه به ابتدأها وبه ختمت. اما كتاب العين الذي ضبط به لغة العرب فيأتي الكلام عليه مفصلا عند ذكر مؤلفاته.
أخباره طاف الخليل على قبائل العرب كقيس وتميم وأسد وغيرهم وشافههم وأخذ منهم وفي الروضات: قال أبو عبيدة ضاقت المعيشة على الخليل بالبصرة فخرج يريد خراسان فشيعه من أهل البصرة ثلاثة آلاف رجل ما فيهم الا محدث أو نحوي أو لغوي أو أخباري فلما صار بالمربد قال يا أهل البصرة يعز علي فراقكم والله لو وجدت كل يوم كيلجة باقلا ما فارقتكم فلم يكن فيهم من يتكلف له ذلك فسار إلى خراسان فأفاد بها أموالا وفي معجم الأدباء: روي أنه كان يقطع بيتا من الشعر فدخل عليه ولده في تلك الحالة فخرج إلى الناس وقال إن أبي قد جن فأخبروه بما قال ابنه فقال له:
لو كنت تعلم ما أقول عذرتني * أو كنت أجهل ما تقول عذلتكا لكن جهلت مقالتي فعذلتني * وعلمت انك جاهل فعذرتكا أقول ونظيره ما يحكى عن ابن النحاس النحوي انه كان جالسا