منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٢ - الصفحة ٢٨٣
المكلف مريدا للفعل المتوقف عليها، كما لا يخفى على من أعطاها حق النظر)،
التكليف من المصلحة والمحبوبية، وقدرة المكلف على الامتثال صح من الامر التكليف سواء كان عالما بعصيانه أم لا، لكن في صورة العلم بالعصيان يسمى هذا تسجيليا، حيث إن الغرض فيه التسجيل لتصحيح العقاب، دون البعث على الفعل، ولذلك حكموا بأن الكفار مكلفون بالفروع، ومعاقبون عليها، إلا أن مثل هذا الامر لا يتعلق بالمقدمات التي لا مدخلية لها في حصول الغرض. وإن قلت إن التكليف بالفعل إن كان تسجيليا، فالتكليف بالمقدمة أيضا كذلك، كما في الارشاد، والامتحان، وغيرهما، فإن التكليف بالمقدمة إنما هو على حسب التكليف بذيها، لا أنه لا وجوب لها أصلا. قلت:
للمقدمات مدخلية في الغرض في الارشاد، ونحوهما، وكل ما يتوقف عليه الغرض يجب أيضا مقدمته، وكلما لا يتوقف عليه لا يتعلق به الوجوب المقدمي، والامر التسجيلي لما كان لأجل تصحيح العقاب و المؤاخذة، فلا معنى لكون هذا الامر أمرا بالمقدمات أيضا، فافهم و تدبر).
وأنت خبير بغرابة ما أفاده، إذ لا ينبغي الاشكال في فعلية البعث و التكليف مطلقا ولو مع علم الامر بعصيان المكلف، وإلا يلزم عدم العصيان الموجب لاستحقاق العقوبة، لان استحقاقها منوط بمخالفة التكليف الحقيقي. ولعل منشأ ذلك تخيل كون البعث والانبعاث كالكسر والانكسار، لكنه ليس كذلك، فإن البعث وظيفة المولى، و الانبعاث وظيفة العبد، ومن المعلوم: أنه فعل اختياري له، وليس رشحا للبعث، وإلا يلزم منه محاذير لا يمكن الالتزام بها، كما لا يخفى.
والحاصل: أن البعث ليس علة تامة للانبعاث.
ومن هنا يظهر: أن تكليف الكفار بالفروع أيضا تكليف حقيقي، و عقابهم إنما هو لأجل مخالفتهم التكاليف الحقيقية، كمخالفة المسلمين لها، غاية الامر: أنهم إذا أسلموا يسقط عنهم - لشرف الاسلام - ما فات عنهم.