منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٢ - الصفحة ٦١
وأما المقام الثاني - وهو ما يقتضيه الأصل العملي - فملخصه: أن المورد من موارد قاعدة الاشتغال، لكون الشك في الامتثال ان كانت الاستطاعة من السنين السابقة ولم يكن فيها تقية، أو كان الهلال فيها ثابتا عند جميع المسلمين ولم يكن فيه شبهة، لاستقرار الحج عليه حينئذ، وتمحض الشك في فراغ ذمته عما اشتغلت به قطعا بالحج الموافق لمذهب العامة. ومن موارد أصالة البراءة إن كانت الاستطاعة في هذه السنة التي ابتلي فيها بالتقية، لكون الشك في أصل التكليف، لا في سقوطه، إذ المفروض عدم إحراز كون الحج المأتي به تقية مأمورا به كما هو واضح.
وينبغي التنبيه على أمور: الأول: قد ظهر مما تقدم في بعض المقدمات من حكومة أدلة التقية على أدلة الاجزاء والشرائط عدم اندراج الحج مع العامة في فوات الحج بفوات الوقوفين، وتوقف التحلل عن إحرامه بعمرة مفردة، وذلك لان ما دل على فوات الحج بعدم إدراك الوقوفين إنما هو من أدلة الاجزاء، فيكون محكوما بأدلة التقية الدالة على إدراك الحج بالوقوف معهم، لدلالتها على كونه مصداقا للحج المأمور به، فلم يفت الوقوفان حتى يندرج المقام لأجله في فوات الحج، فأدلة التقية تهدم الفوت الذي هو موضوع أدلة فوات الحج، و من هنا يظهر تقريب حكومة أدلة التقية عليها.
كما أن المقام لا يندرج في مسألة الضد أيضا، لان العدو ينادي بأعلى صوته أن الحج الاسلامي الذي جاء به النبي صلى الله عليه وآله هو ما نأتي به، دون ما يأتي به غيرنا، فهو يبعث الناس على الحج، لا أنه يمنعهم عنه حتى يتحقق عنوان الضد كما لا يخفى.
الثاني: أن ظاهر أدلة التقية المبدلة كون العمل المأتي به تقية مصداقا للمأمور به، وأداء له، وامتثالا لامره، فالتقية تنزل الفاقد لجز، أو شرط منزلة واجده، والمقترن بمانع منزلة فاقده، فالاجزاء يدور مدار وجود عمل يؤتى به ناقصا، وعلى غير