منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٢ - الصفحة ٥٥٧
كانتا صلاة مستقلة مندوبة بأمر على حدة، إذ المفروض سقوط الامر الوجوبي المتعلق بالطبيعة، فلا يصدق الأكثر على الأخيرتين. وقبل التسليم لا يسقط الامر، لعدم فردية ذات الأقل للطبيعي المأمور به، بداهة توقف فرديته له على التسليم، فيكون الأكثر بتمامه متصفا بالوجوب.
فحمل الامر بالأكثر على الندب لا يطرد في جميع الموارد، بل فيما إذا كان ذات الأقل فردا للطبيعي المأمور به، كالتسبيحة الواحدة، فإنها بنفسها مصداق لطبيعة التسبيحة، فالامر بالأكثر حينئذ لا بد من أن يحمل على الندب، لدلالة الاقتضاء على ذلك، ضرورة أنه بعد فردية الأقل للطبيعة يسقط الامر الوجوبي لا محالة، وعليه: فلو لم يحمل الامر بالأكثر على الندب يلزم لغويته.
فالمتحصل: أن مورد حمل الامر بالأكثر على الاستحباب إنما هو فيما إذا كان الأقل بنفسه فردا للطبيعة، حيث إن الامر بالأكثر لو لم يحمل على الندب لزم أن يكون لغوا، لان التسبيحة الواحدة بنفسها فرد لطبيعة التسبيحة، ووافية بالغرض المترتب على صرف الوجود من الطبيعة الذي هو المطلوب، فيسقط أمرها الوجوبي، فلا محيص حينئذ عن حمل الامر بالزائد عليها على الاستحباب.
وأما إذا لم يكن الأقل بذاته مصداقا للطبيعة، بأن كانت فرديته لها منوطة بمؤونة زائدة، كتوقف فردية الركعتين الأوليين لطبيعة الصلاة المأمور بها على التسليم في الثانية، فيصح حينئذ أن يقال بالتخيير بين الأقل والأكثر، فإن أتى بالتسليم سقط الامر الوجوبي، لوجود الأقل المنطبق عليه الواجب، ولا مجال لاستحباب الأكثر حينئذ إلا مع نهوض دليل خاص عليه، وإن لم يأت به، فالواجب تعيينا هو الأكثر.