بالاستقلال، أو بالتبع، يصح اطلاق الحكم على الحكم الوضعي، وان قلنا ان بعضها غير قابل لذلك وان كان اثباته بيد الشارع لكن بما انه خالق لا بما انه شارع، فلا يصح اطلاق الحكم الشرعي عليه بأي معنى فرض.
وبذلك يظهر أمور، الأول: ضعف ما افاده المحقق الخراساني في الكفاية بقوله الا ان صحة تقسيمه بالبعض الآخر إليهما وصحة اطلاقه عليه بهذا المعنى مما لا يكاد ينكر انتهى.
الثاني: عدم تمامية ما افاده المحقق القمي في القوانين من أن الحكم عبارة عما يتعلق بأفعال المكلفين من حيث الاقتضاء والتخيير: لما عرفت من أنه أعم من ذلك.
الثالث: ان ما افاده بعض المحققين من أن كل ما لم يكن حكما تكليفيا، ولم يكن تكوينيا فهو حكم وضعي، تام.
إذا عرفت ذلك فاعلم أن الوضع على أنحاء. 1 - ما يكون سابقا على التكليف، كالسببية، والشرطية، والمانعية للامر. 2 - ما يكون لاحقا على التكليف، كالجزئية، والشرطية، والقاطعية لمتعلق التكليف 3 - ما لا يرتبط به، كالزوجية، والملكية، والولاية، وما شاكل.
اما القسم الأول: فقد اختار الشيخ الأعظم (ره) ان تلك الأحكام أمور انتزاعية تنتزع من الامر بالشئ عنده أو عند عدمه، مثلا تنتزع السببية للدلوك من الامر بالصلاة عنده.
واستدل له بوجهين. أحدهما: الوجدان: فإنه لو فرض الانسان نفسه حاكما بحكم تكليفي ووضعي بالنسبة إلى عبده لوجد من نفسه صدق ما ذكرناه، فإنه إذا قال لعبده أكرم زيدا ان جائك فهل يجد المولى من نفسه انه أنشأ انشائين وجعل أمرين أحدهما وجوب اكرام زيد عند مجيئه والآخر كون مجيئه سببا لوجوب اكرامه أو ان الثاني مفهوم منتزع من الأول لا يحتاج إلى جعل مغاير لجعله الأولى ولا إلى بيان مخالف لبيانه، ولهذا اشتهر في ألسنة الفقهاء سببية الدلوك ومانعية الحيض ولم يرد من الشارع الا انشاء طلب الصلاة عند الأول وطلب تركها عند الثاني، وعلى الجملة الوجدان شاهد على أن السببية والمانعية في المثالين اعتباران منتزعان كالمسببية والمشروطية والممنوعية.