الاستصحاب في الاحكام الكلية، بقى في المقام أمران لابد من التنبيه عليهما.
أحدهما: انه قد يتوهم اختصاص ذلك بالأحكام الكلية، من جهة انه في الشبهات الموضوعية يكون الجعل معلوما فلا يجرى استصحاب عدم الجعل.
ولكنه يندفع، بأنه من جهة ان جعل الاحكام انما يكون على نحو القضية الحقيقية، فكل موضوع خارجي من افراد الموضوع يكون مخصوصا بحكم خاص فعند الشك لا مانع من استصحاب عدم جعل الحكم لهذا الموضوع الشخصي، الا انه قد عرفت عدم ترتب ثمرة عليه فراجع.
ثانيهما: ان ما ذكرناه من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعية انما هو في الاحكام البعثية والزجرية، واما الاحكام الترخيصية كالإباحة فلا مانع من جريان الاستصحاب فيها لعدم جريان استصحاب عدم الجعل فيها، لأنها كانت مجعولة في صدر الاسلام، اما بنحو العموم، أو الخصوص، تأسيسا، أو امضاءا.
الكلام حول جريان الاستصحاب في الأحكام الوضعية السادس: فيما ذهب إليه جماعة منهم الفاضل التوني من التفصيل بين الأحكام الوضعية والتكليفية، وعدم حجية الاستصحاب في الأحكام الوضعية، وحجيته في الأحكام التكليفية.
فلا بد أولا من صرف عنان الكلام إلى تحقيق حال الوضع وانه حكم مستقل في الجعل أوامر انتزاعي ينتزع عما في موارده من الأحكام التكليفية.
وقبل الشروع في البحث لابد من التنبيه على امر - وهو - بيان الحكم الشرعي وحقيقته، وملخص القول في ذلك، ان الحكم بمعنى، الثبوت، والاستقرار، والاستحكام، ولذا، يقال ان الله تعالى يحكم ما يشاء، أي يثبت ما يشاء، وقد يطلق الحكم على الاخبار ويقال فلان حكم بمجيئ زيد من السفر، والحكم الشرعي هو ما أثبته الشارع بما انه شارع، وعليه فان قلنا ان الأحكام الوضعية كلها مجعولات شرعا، اما