ثانيهما: البرهان على عدم كون ذلك مستقلا بالجعل، بما حاصله ان السببية للدلوك ليست ذاتية، والا لزم تأثيره في الوجوب وان لم يجعل الشارع لان ذلك مقتضى ذاته كما في بقية الأسباب الخارجية، مع أنه لا يكون مجعولا شرعيا على فرضه ولا نعقل ان يكون صفة أوجدها الشارع في السبب إذا الذات لا تتغير بالتشريع عما هي عليه من الوجدان أو الفقدان لان مسألة التشريع غير التكوين ومع التكوين يكون مكونا لا مشرعا.
وذهب المحقق الخراساني إلى أنها أمور انتزاعية تنتزع، من الخصوصيات التكوينية الموجودة في تلك الأشياء وليست مجعولة ولو بجعل منشأ انتزاعها.
واستند في ذلك على ما في الكفاية إلى أمرين، 1 - ما ذكرناه لعدم كون تلك الأمور انتزاعية من الأحكام التكليفية، وهو ان فرض كونها سببا وشرطا تقدمها على تلك الأحكام ومن الواضح استحالة تأخر المتقدم بالذات - وبالجملة - انها متقدمة على التكليف فكيف يمكن انتزاعها منه.
2 - ما ذكرناه لعدم كونها مستقلة في الجعل، وهو ان الشئ إذا لم يكن فيه ربط خاص به يؤثر في المعلول لم يكن علة لاعتبار السنخية بين العلة والمعلول والا لزم صدور كل شئ عن كل شئ، ولا معنى لجعل ما ليس علة علة، وان كان فيه ذلك الربط فهو علة قبل جعله علة وان شئت قلت، ان كل ما يكون دخيلا في التكليف لا بد وأن يكون فيه خصوصية لأجلها يكون مؤثرا فيه لما يعتبر من السنخية بين العلة والمعلول والا لزم صدور كل شئ عن كل شئ وتلك الخصوصية امر تكويني واقعي غير مجعول شرعي وهي منشأ انتزاع هذه العناوين فهي عناوين انتزاعية من تلك الخصوصيات.
أقول: ان ما يكون سابقا على التكليف على اقسام. منها: ما يكون دخيلا في اتصاف الفعل بالمصلحة كالاستطاعة التي توجب اتصاف الحج بالمصلحة اللزومية، ونظيره في العرفيات المرض بالنسبة إلى شرب الدواء، وهذا القسم لا ريب في أنه ليس بمجعول شرعي، بل انما هو لخصوصية فيه نظير النار بالنسبة إلى الاحراق.
ومنها: ما يكون من اجزاء علة الجعل نظير تصور الجاعل وتصديقه الفائدة، وما شاكل، وهذا القسم أيضا ليس بمجعول وهو واضح.