وحيث إن في موارد تحريم ما هو الواجب، وإيجاب ما هو الحرام، وما يشبه به، يكون أمر زائد على هذه المشكلة - وهو لزوم الإلقاء في المفسدة، وتفويت المصلحة - نحيل الجواب عن هذه الموارد إلى الطائفة الثالثة من المحاذير التي يشترك فيها الكل (1).
إن قلت: الأشعري يرخص ذلك، لأنه لا يقول بتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد.
قلت: نعم، ولكنه لا يرخص القبيح في حقه تعالى، وإنما ينكر قبح تصرفاته تعالى، وتفويت المصلحة والإلقاء في المفسدة بعنوانهما، مما لا يرخص أحد في حقه تعالى، والأشعري إذا كان يقول بعدم التبعية، يقول بعدم التفويت، ولا إلقاء في البين، لا إنه يقول بجواز الإلقاء في المفسدة في حقه، فما في كتب جمع من المعاصرين خال من التحصيل، فلا تخلط.
فعلى هذا يخص الجواب هنا بموارد خاصة، وهي ما إذا أدت الأمارة إلى وجوب شئ مباح، أو حرمة شئ مباح، أو كراهته، واستحباب شئ مباح.
أقول: حل هذه المشكلة يظهر بالتدبر فيما هو المرام في مسألة " أن الأحكام تابعة للمصالح والمفاسد " وذلك أن المراد من ذلك، ليس أن كل مورد من موارد الحكم الانحلالي والإيجاب العمومي، ذو مصلحة أو مفسدة، بل مقصودنا أن الجزاف في المجاعيل الإلهية غير جائز، لأن الجزاف في حقه تعالى غير جائز. وما تخيله الأشعري من إطلاق عظمته، وعدم قيد لشوكته وسيطرته وسطوته، لا ينافي ذلك في وجه، وينافيه في وجه آخر تحرر تفصيله في محله.
وعلى هذا، كما أن العقلاء لمصالح عامة سياسية ونظامية، يعتبرون الأحكام العامة الكلية، من غير وجود مصلحة في كل مورد، ومفسدة في كل موضوع، كذلك