ليس إلا مجرد الالتزام العقلائي والبناء العملي من غير مراعاة الأمور الأخر وراء ذلك، إلا إذا حصل الوثوق - أو ما يقرب منه - على خلاف تلك البناءات المتعارفة.
مثلا: إنا إذا رجعنا في عصرنا الوسائط النقلية المتعارفة التي تؤدي كثيرا إلى الأخطار المهلكة، نجد أنه لا وثوق شخصي ولا علم ولا اطمئنان بالوصول إلى المقصود، ولكن بناء الناس على ذلك، وما هذا إلا لأجل الاعتياد من غير اشتراط العمل بالوثوق، مع أن العلقة كبيرة جدا بالنسبة إلى النفوس والأرواح، التي تكبدت خسائر كثيرة في الاصطدامات الخارجية من ناحية هذه الوسائط.
وهكذا بناؤهم على العمل بالظواهر وأخبار الثقات من غير النظر إلى الكشف النوعي والغالبي والإصابة الأكثرية.
ولعل وجه ذلك: أن النظام في العالم الاجتماعي والمعيشة الاجتماعية، لا يرتبط ولا يقوم إلا بذلك، وإليه أشير في بعض رواياتنا في مقام التعليل: وأنه " لو لم يجز هذا لم يقم للمسلمين سوق " (1) فهذه الأسرار الاخر ألجأتهم إلى الالتزامات المذكورة، والبناءات العملية، ولو فرضنا أنه لو لم يحصل الوثوق النوعي والاطمئنان الغالبي من تلك الأمارات، للزم تركهم العمل بها، وللزم الاختلال والهرج والمرج في معاشهم ومعادهم، وهم مع ذلك ملتزمون بذلك، فهو غير صحيح قطعا.
فيعلم منه: أن هذا ليس إلا مجرد البناء والالتزام، ولا بد من الفحص عن حدود تدخل الشرع في ذلك إمضاء وردعا، لإمكانه في الجملة، كما مضى وجه امتناعه في ذيل حديث إمكان التعبد بالظن (2)، فراجع.
والذي هو الأقرب من أفق التحقيق: أن الوجه الأول غير سديد، ضرورة أنه كثيرا ما لا يحصل الوثوق الشخصي لأجل وجود القرائن الجزئية، أو لأجل عدم