الاطلاع على حال المتكلم، من أنه يتكلم وسيكون كلامه مرددا بين الهزل والجد، أو هو جد ولا هزل فيه، أو بالعكس، فإذا لم يكن العبد واقفا عليه، لا يحصل منه الوثوق، ولا يجوز له القعود في قبال أمره ونهيه، وهكذا في الأشباه والنظائر، فربما لا يحصل الوثوق الشخصي من الظاهر، لأجل القرينة الخاصة الجزئية، وهو أمر كثير الدور حسب اختلاف النفوس.
وأما ما مر: من أن الحجية صفة العلم (1)، فهو غير تام، لإمكان جعل الاحتمال حجة.
نعم، الكاشفية والطريقية والأمارية، صفة العلم، واتصاف الكلام بالأمارية فيه نوع من المجازية، لأن الأمارية ليست بالوضع والجعالة، فتأمل. ولزوم الملازمة بين ما هو الحجة العقلائية، وما هو الكاشف والطريق الطبيعي العقلائي، ممنوع كما لا يخفى.
وأما الوجه الثاني فهو وإن كان متينا، إلا أنه مخصوص بعصر حدوث هذه الطرق والأمارات، وفي العصر الأول البسيط فيه معاش الناس، وسياستهم المنزلية، والدولية، والدينية، وأما في عصرنا فالوجه الثالث يكون أقرب إلى التحقيق.
ولا بأس بالالتزام بدخالة الكاشفية النوعية الموجودة في الجملة أيضا، لأجل أنه إذا بلغ الأمارة والطريق إلى حد السقوط عن الكشف، لا يعتنى بها، إلا أنه في ناحية الاعتماد عليها، لا يلاحظ فيها نسبة الكشف والإصابة إلى الخطأ بالضرورة.
وعلى كل تقدير: لا بد من مراجعة الأدلة إثباتا، وأن الشرع هل أمضى هذه الأمارات الخاصة المستثناة من الأصل المزبور، أم لا، وهل ردع منها شيئا، أو اعتبر فيها قيدا، أم اعتبر التوسعة فيها؟ فلاحظ وتدبر.