فمنها: العلم بالوضع، سواء حصل من التبادر والاطلاع الخاص، أم بأصالة اتحاد العرفين وعدم النقل والاستصحاب القهقري، أو لقول اللغوي، بناء على القول باعتباره.
وهذا كما يحتاج إلى العلم بالمواد، لا بد من العلم بالهيئات التامة والناقصة، فإن لكل منها وضعا خاصا نوعيا، أو شخصيا أحيانا.
ومنها: العلم بالاستعمال، وأنه حقيقي أو مجازي، كنائي أو استعاري، فإنه إذا حصل ذلك فلا مورد للرجوع إلى أصالة الحقيقة، أو أصالة عدم القرينة، وعدم التخصيص والتقييد.
وأما إذا شك في ذلك، وأنه هل أريد منه المعنى الحقيقي، أم المجازي لو كان له المعنى المجازي؟ فالحق أن حديث أصالة الحقيقة في قبال المجاز، واستعمال اللفظ في غير ما وضع له، لا أصل لها، لما تحرر في محله: من أن جميع الاستعمالات المجازية، تكون من استعمال اللفظ في ما وضع له بحسب الإرادة الاستعمالية، وحديث استعمال اللفظ في غير ما وضع له، باطل عاطل جدا، سواء فيه المجاز المرسل، والكنايات، والاستعارات، فلا شك فيه حتى يرجع إلى الأصل (1). هذا على مذهب الحق في هذه المرحلة.
وأما على القول المشهور فالحق: أن أصالة الحقيقة لا أصل لها، لأن الاستعمال المجازي أمر عقلائي، دائر في جميع مراحل الحياة، حتى في الاستعمالات القرآنية، بل وفي السنة النبوية، ولذلك قيل: " إن الاستعمال أعم من الحقيقة، ولا يكون دليلا عليها " (2).